التصوير المسطح (الرسم)

والمراد به الرسم والنحت على المسطحات والمعادن باليد والأجهزة والبرامج الحاسوبية، أما التصوير الفوتوغرافي فانظر: (التصوير الفوتوغرافي).

وتعرض هذه المسألة للمسلم في شراء اللوحات الفنية المرسومة، كما ينتشر بعض الرسامين المحترفين لرسم وجه السائح في عدد من طرقات المدن السياحية حول العالم،  فما حكم ذلك؟

اتفق أهل العلم على جواز الرسومات لغير ذوات الأرواح كالأشجار والأنهار ونحو ذلك (انظر: التماثيل).

واختلفوا في حكم صناعة ورسم الصور التي لا ظل لها لذوات الأرواح عموماً على قولين:

1- تحريم صنعها, وهذا مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والشافعية والحنابلة (رد المحتار 1/650, مغني المحتاج 4/409, كشاف القناع 1/279-280).

 واستدلوا على ذلك بعدد من الأدلة:

1- عموم الأحاديث الدالة على تحريم الصور،  فإنها لم تفرق بين ما كان مجسماً وله ظل،  أو كان مسطحاً لا ظل له.

مثل ما جاء عن سعيد بن أبي الحسن قال: كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما، إذ أتاه رجل فقال: يا أبا عباس، إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي، وإني أصنع هذه التصاوير، فقال ابن عباس: لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول, سمعته يقول: "من صوّر صورة، فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح، وليس بنافخٍ فيها أبدًا" فربا الرجل ربوة شديدة، واصفر وجهه، فقال ابن عباس: ويحك، إن أبيت إلا أن تصنع، فعليك بهذا الشجر، وكل شيء ليس فيه روح (البخاري 2225, مسلم 2110).

وفي لفظ لمسلم: "كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة".

فدل الحديث على استثناء غير ذوات الأرواح من قوله: "كلف أن ينفخ فيها الروح", ووافقه فهم حبر الأمة ابن عباس, أما الصور المسطحة فهي من المحرمات وإلا لبينها ابن عباس رضي الله عنه.

2- ثبوت نهي النبي صلى الله عليه وسلم وتشديده في أمر الصور المسطحة المنسوجة, كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت بقرام لي على سهوة لي فيها تماثيل , فلما رآه رسول الله صلى الله عليه و سلم هتكه وقال: "أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله", قالت: فجعلناه وسادة أو وسادتين (البخاري 5954, مسلم 2107).

2- جواز صنع الصور المسطحة عموماً مع الكراهة, وهو مذهب المالكية (منح الجليل 3/529).

واستدلوا على ذلك بأدلة منها:

1- عن أبي طلحة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة".

قال بسر -أحد الرواة-: ثم اشتكى زيد فعدناه, فإذا على بابه ستر فيه صورة, فقلت لعبيد الله ربيب ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ألم يخبرنا زيد عن الصور يوم الأول؟ فقال عبيد الله: ألم تسمعه حين قال: "إلا رقمًا في ثوب" (البخاري 5958, مسلم2106).

قالوا: وهذا الاستثناء قيد النهي عن التصوير بالتماثيل وماله ظل وأباح الرقم والرسم في الثوب, فيحمل المطلق في أحاديث النهي عن التصوير بالمقيد هنا.

2- أن التصاوير المسطحة وجدت في بيت النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة, وإنما أنكر صلى الله عليه وسلم هذه الصور إذا كانت بأوضاع خاصة:

• أن تكون الصور أمام المصلي فتشغله, كما في الحديث: "أميطي عنا قرامك هذا، فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي" (البخاري 374).

• أن تعلق وتستر بها الجدران, كما روت عائشة رضي الله عنها وقالت: رأيته خرج في غزاته, فأخذت نمطا فسترته على الباب, فلما قدم فرأى النمط عرفت الكراهية في وجهه, فجذبه حتى هتكه أو قطعه, وقال: "إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين" قالت: فقطعنا منه وسادتين وحشوتهما ليفًا, فلم يعب ذلك علي (مسلم 2107).

وفي رواية: "لا تستري الجدار" (شرح معاني الآثار 6926).

وفي الحديث الآخر: كان لنا ستر فيه تمثال طائر, وكان الداخل إذا دخل استقبله, فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حولي هذا فإني كلما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا" (مسلم 2107).

  3-  أن علة النهي مضاهاة خلق الله, كما في حديث أبي هريرة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو شعيرة" (البخاري 7559), والله خلق هذه المخلوقات مجسمة لا مسطحة, ومضاهاتها تكون بصنع المجسم لا المسطح.

4- ما روي عن عدد من الصحابة في نقش خواتمهم.

فقد روي ذلك عن عدد من الصحابة في نقش خواتمهم, كما روى الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/263) فقد كان نقش خاتم النعمان بن مقرن أيلاً قابضًا إحدى يديه باسطًا الأخرى، وكان نقش خاتم حذيفة كركيان (والكركي نوع من الطيور).

5- ثبوت ذلك عن التابعين, فقد روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عون قال: "دخلت على القاسم وهو بأعلى مكة في بيته، فرأيت في بيته حجلة فيها تصاوير القندس والعنقاء" (المصنف 25301).

قال ابن حجر: "والقاسم بن محمد أحد فقهاء المدينة، وكان من أفضل أهل زمانه، وهو الذي روى حديث النمرقة، فلولا أنه فهم الرخصة في مثل الحجلة ما استجاز استعمالها" (فتح الباري 10/388).

وكلا الرأيين له حظ من النظر إلا أن الأحوط هو رأي الجمهور لعدد من الأمور:

1- صراحة حديث عائشة في النهي عن الصور المسطحة بعد أن هتك الستر -وهو مسطح بلا شك- قال: "يا عائشة أشد الناس عذاباً الذين يضاهون بخلق الله" (مسلم 2107).

2- دخول الصور المسطحة في عمومات النهي.

قال النووي رحمه الله: "فإن الستر الذي أنكر النبي صلى الله عليه وسلم الصورة فيه لا يشك أحد أنه مذموم وليس لصورته ظل, مع باقي الأحاديث المطلقة في كل صورة" (شرح مسلم 14/82).

3- العلل الأخرى الواردة في النهي عن تعليق الصور لا تعارض رواية: "يا عائشة أشد الناس عذاباً الذين يضاهون بخلق الله" وإنما تزيد أسباباً أخرى للمنع والتحريم فهي محرمة, وإذا علقت أو وضعت أمام المصلي زاد منعها وتحريمها.

4- ما ورد عن الصحابة في فصوص خواتمهم إذا ثبت محمول على عدم تشديدهم في الصور الصغيرة كالتي في الدنانير, كما هو مذهب الحنفية.

5- وأما حديث: "إلا رقماً في ثوب" فمحمول على الصور الجائزة كالتي تقطع, أو تمتهن من الوسائد ونحوها لتتوافق الأدلة.

الصور الممتهنة:

ذهب عامة أهل العلم من المذاهب الأربعة وغيرهم إلى أن الصور المسطحة إذا كانت ممتهنة جاز استخدامها (رد المحتار 1/648, مواهب الجليل 1/551, مغني المحتاج 4/408, الإنصاف 1/474).

واختلفوا في حد الامتهان على أقوال يمكن تلخيصها كالتالي:

1-      المعلق المنصوب المرتفع لا شك في أنه معظم غير ممتهن فيدخل في التحريم بوضوح.

2-      ما يداس ويتكأ عليه من الفرش والوسائد فهو ممتهن بلا شك.

 قال ليث بن أبي سليم: "دخلت على سالم بن عبدالله وهو متكئ على وسادة فيها تماثيل طير ووحش فقلت: أليس يكره هذا؟ قال: لا إنما يكره ما نصب نصبًا" (المسند 6326).

3-      واختلفوا في أشياء لا يظهر امتهانها بوضوح كما أنها ليست معظمة هل تلحق بالقسم الأول أو الثاني؟ مثال ذلك:

الأواني: نص الشافعية على جواز الصور في آنية تمتهن فقالوا:"وآنية تمتهن الصور باستعمالها كطبق وخوان وقصعة" (مغني المحتاج 4/408).

الملابس: ذهب الجمهور لعدم التحريم لأنها من المهان وكرهها بعضهم وحرمها آخرون (انظر: اللباس المحتوي على صورة).

الصور غير الظاهرة: نص بعض الشافعية على جواز الصور في الصندوق ومغطاة  فقالوا: "ويجوز لبس ما عليه صورة ذلك الحيوان ودرسه ووضعه في صندوق أو مغطى" (حاشية قليوبي 3/298).

ونص الحنفية على أن الصورة في الملابس مكروهة, فإن لبس فوقها مايغطيها لم تكره (انظر: البحر الرائق 2/29،رد المحتار1/647).

الصور الصغيرة: استثنى الحنفية الصور الصغيرة؛ لأنها مهانة كالصور التي على الدراهم أو الخاتم (انظر: رد المحتار 1/647).

والقاعدة في ذلك أن ما تردد الأمر فيه بين الامتهان والتعظيم ولا مرجح نرجع فيه للأصل، والأصل في الصور التحريم والمباح هو المستثنى.

قال الشربيني: "والضابط في ذلك إن كانت الصورة على شيء مما يهان جاز وإلا فلا" (مغني المحتاج 4/408).

صنع الصور الممتهنة:

يجوز كما سبق استخدام الصور الممتهنة, ولكن هل يجوز صنعها؟

• ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة: إلى أنها محرمة (رد المحتار 1/647-650, تحفة المحتاج 7/433, المبدع 1/334).

قال ابن عابدين: "هذا كله في اقتناء الصورة، وأما فعل التصوير فهو غير جائز مطلقًا؛ لأنه مضاهاة لخلق الله تعالى كما مر" (رد المحتار 1/650).

وقال الرحيباني: "(ولا يلزم من جواز استدامة) محرم (أو استعمال محرم جواز صنعته كاستعمال مصور) في افتراش وجعله مخدًا، فيجوز مع حرمة التصوير" (مطالب أولي النهى 2/91).

وقال المالكية: يجوز صنعها لكنه خلاف الأولى (الشرح الكبير 2/338).

وقول المالكية له حظ من النظر إذا كان ذلك التصوير لا يستخدم إلا في الممتهن؛ لأن الأصل أن ما جاز استخدامه واقتناؤه جاز صنعه، لكن إذا كان ذلك التصوير له عدد من الاستخدامات منها الممتهن ومنها غير الممتهن فيمنع منه.

حكم البقاء في مكان فيه صور محرمة (رسومات وتماثيل لذوات الأرواح):
اختلف أهل العلم في حكم البقاء في مكان فيه تصاوير وتماثيل لذوات الأرواح على أقوال:

فذهب الجمهور إلى تحريم أو كراهة الدخول والحضور على هذه الحالة (بدائع الصنائع 1/116، مغني المحتاج 4/407-408).

• وذهب الحنابلة إلى الجواز فقالوا: لا يجب الخروج بل ولا يحرم الدخول ابتداء (الإنصاف 8/336).

وهذا هو الراجح فلا دليل يمنع المسلم من الحضور والمشاركة لمجرد وجود المعصية وأثرها،  ولا يسلم واقع الحياة من معاصي وأخطاء والذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم.

الفرجة على الصور والتماثيل (المتاحف):

اختلف أهل العلم في حكم التفرج على الصور الداخلة في النهي عن الصور إذا كان لغير مصلحة؛ كالتفرج على التماثيل والأصنام في كثير من المتاحف والآثار، فقال المالكية بالتحريم (انظر: الشرح الكبير 2/338).

والراجح ما ذهب إليه الشافعية وغيرهم من أهل العلم: أنه لا يحرم التفرج ؛ لأن المحرم هو صنع الصورة واقتناؤها لا مجرد الفرجة عليها (انظر: حاشية الجمل 4/276, حاشية قليوبي 3/298, المغني 7/283).

تذكر

1. يحرم رفع و تعليق صور ورسومات ذوات الأرواح على الجدران والمكاتب.

2. يحرم شراء رسومات ذوات الأرواح ويزداد التحريم إذا علقت ونصبت على الجدران.

3. يحرم دفع المال لمن يرسم صورة للإنسان كما يوجد في بعض المناطق السياحية.

4. تجوز الصور والرسومات المسطحة لذوات الأرواح إذا كانت ممتهنة غير مكرمة كما في البسط والمساند والأرائك ونحوها.

5. يجوز البقاء في المكان المحتوي على صور محرمة ولا يلزم المسلم الخروج منه على الراجح.

6. يجوز للسائح زيارة المتاحف والتفرج على التماثيل والرسومات التي فيها .