المراد بالتحنيط هنا: حفظ جثة الحيوان من البلى بعد موته بتفريغه من الأجزاء الرطبة ثم وضع مواد حافظة فيما تبقى بطرق معينة, فيبقى طويلاً كما كان عند الموت.
والمحفوظ من الحيوان في الغالب هو الجلد والأجزاء الظاهرة.
حكم اقتناء الحيوانات المحنطة للزينة:
ذهب أكثر أهل العلم المعاصرين إلى جواز اقتنائها بغرض التعليم والتدريب.
واختلفوا في اقتناء الحيوانات المحنطة للزينة, فذهب بعضهم إلى الإباحة, وبعضهم إلى الكراهة وبعضهم إلى التحريم, ومنهم من فرق بين المذكى وغيره.
وقد استدل من منعها مطلقًا بسد الذريعة فقالوا:
1- أن ذلك يفضي إلى تعليق الصور بحجة أنها من جنس المحنطات، فتكثر الصور والتماثيل.
2- ولأن ذلك وسيلة إلى التعلق بهذا المحنط، وظن بعض الجهلة أنه يدفع البلاء عن البيت وأهله.
من أدلة من أجازها مطلقًا:
1- الأصل في الأشياء الإباحة, فلا يخرج عنه شيء إلا بدليل, قال الله تعالى: }هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا{.
2- لا تقاس الحيوانات المحنطة على التماثيل، إذ ليست فيها مضاهاة لخلق الله، بل هي بذاتها عين الحيوان أو جزؤه.
واستدل من فرق بين المذكى وغيره:
بأن غير المذكى (المذبوح بالطريقة الشرعية) يعتبر ميتة، والميتة لا يجوز بيعها ولا الاستفادة منها.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح وهو بمكة: "إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل: يارسول الله أرأيت الميتة فإنها يطلى بها السفن ويدهن بها ويستصبح بها الناس؟ فقال : لا هو حرام" (البخاري 2121)
والراجح إباحة اقتنائها مطلقًا؛ لأن الأصل في الأشياء الإباحة ولا دليل على تحريمها.
• ولا يستقيم تشبيهها بالتماثيل والصور، فهي ذات الحيوان الذي خلقه الله .
• كما يبعد تحريمها لمجرد السرف؛ لأن الزينة والجمال مقصد شرعي، وتختلف اعتبارات الناس وأذواقهم وعوائدهم في التكاليف المالية العادلة في ذلك بما لا يخالف العرف ويخرج لحد التجاوز.
• والزينة مقصود شرعي لا ينكر على فاعله, قال الله تعالى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ • وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ • وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ • وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ والْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.
فقد امتن الله علينا بأن جعل لنا في البهائم جمال وزينة, والله لا يمتن على عباده إلا بجائز, فلا يمتن بمكروه (انظر: إجابة السائل ص 35, نهاية السول ص 161, الموافقات 1/183).
فلا إشكال فيمن أفرد فائدة من الفوائد التي ذكرها الله للبهائم، ومنها الزينة {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْق}.
وعلى هذا فيقال الحيوانات على قسمين:
1- الحيوانات المباحة المذكاة بالذبح أو الصيد الشرعي، لا إشكال في جواز اقتناء وشراء المحنط منها على الراجح من أقوال أهل العلم .
2- الحيوانات غير المذكاة، والراجح جوازها أيضاً لكون المتبقي من الحيوان هو الجلد والأجزاء اليابسة من بدن الحيوان، وقد أزيلت منها الرطوبة وكل ما ينتج فساداً أو عفونة، وَمُلِئَ جوف الحيوان بالمواد الحافظة فأشبهت الجلد المدبوغ.
فيجوز اقتناؤها إذا أهديت على الراجح، ولكن هل يجوز شراؤها وبيعها ؟
ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والشافعية إلى جواز بيع جلد الميتة بعد دبغه (تبيين الحقائق 4/51, المجموع 1/229).
لأنه يكون طاهرًا بعد الدبغ والتنظيف، بدليل عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أيما إهاب دبغ فقد طهر" (الترمذي 1728، النسائي 4241)، وهي صيغة عموم تشمل جميع أنواع الجلود.(انظر دليل المبتعث : الجلديات الطاهرة والنجسة في الملبوسات والحقائب ).
وجلد الحيوان المحنط هو الجزء الأهم منه، والباقي تبع له عادة.
فائدة
التفاخر بالحيوانات
انتشر في هذا الزمان التفاخر ببعض أنواع الحيوانات وشرائها بأثمان خيالية وصنع المهرجانات لذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الخيل لثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر... ورجل ربطها فخرا ورئاء، ونِوَاءً لأهل الإسلام فهي وزر على ذلك" (البخاري 2860, مسلم 987).
وقد عدَّ أهل العلم شراء الحيوان بأعلى من سعره تفاخراً من باب السفه (عمدة القاري 12/246).
تذكر
1. التحنيط: حفظ جثة الحيوان بتفريغه من الأجزاء الرطبة ثم وضع مواد حافظة, فيبقى طويلاً كما كان عند الموت.
2. ذهب أكثر أهل العلم المعاصرين إلى جواز اقتنائها بغرض التعليم والتدريب.
3. اختلف العلماء في اقتناء الحيوانات المحنطة للزينة، والراجح إباحة اقتنائها مطلقًا لا سيما إن كانت الحيوانات مذكاة.
4. اختلف أهل العلم في اقتناء الحيوانات المحنطة غير المذكاة، ويحتمل القول بالجواز؛ لأن المتبقي من الحيوان هو الجلد والأجزاء اليابسة من بدنه.