النحت والتماثيل

يعتبر التصوير وتوثيق الرحلات من أبرز الفعاليات التي ينشغل بها السائح لتسجيل رحلته وحفظ مواقفها وأحداثها ومواقعها من النسيان والضياع، والحديث عن التصوير له عدد من التفاصيل نحتاج لبيانها لتتضح المسألة من كل جوانبها.

تصوير ما له ظل (التماثيل):

التماثيل أو الصور المجسمة لذوات الأرواح هي أشد أنواع التصاوير تحريماً في الشرع، سواء كانت أصناماً تعبد من دون الله،  أو كانت تماثيل حيوانات جمالية فقط،  ولا يجوز شراؤها كتحفة فنية،  ولا لغيرها من الأسباب.

فقد ذهب عامة أهل العلم إلى تحريم صناعة وبيع التماثيل لذوات الأرواح،  سواء على صورة إنسان أو حيوان, وقد حكى الإجماع جماعة من أهل العلم على ذلك (فتح الباري 10/388, إكمال المعلم 6/635, رد المحتار 1/647,مواهب الجليل 1/552, حاشية قليوبي 3/298, الإنصاف 1/474).

وما حكي عن بعضهم من  إباحتها إلا ما صنع ليعبد من دون الله (روح المعاني 11/294) مردود بالأحاديث الصحيحة الثابتة في النهي،  وبأقوال أهل العلم التي لا يعلم لها مخالف في كتب الفقه وشروح الحديث المعتمدة في نقل أقوال أهل العلم.

قال ابن عطية: "وحكى مكي في الهداية أن فرقة كانت تجوز التصوير وتحتج بهذه الآية, وذلك خطأ، وما أحفظ من أئمة العلم من يجوزه" (المحرر الوجيز 4/409).

من أدلة التحريم:

1-  قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}. فأمر باجتناب الأنصاب التي هي الأصنام, ومن صنعها لم يجتنبها.

2- أحاديث النهي عن التصوير والوعيد فيه, كالحديث القدسي: "قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو شعيرة" (البخاري 7559), وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة المصورون" (البخاري 5950, مسلم 2109), وقوله: "من صور صورة في الدنيا كُلّف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ" (البخاري 5963, مسلم 2110).

فهذه الأحاديث تدخل فيها التماثيل دخولًا أوليًا.

3- عن أبي الهياج الأسدي، قال: قال لي علي بن أبي طالب: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته،  ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته" (مسلم 969).

التماثيل الناقصة:

اتفق كلام أهل العلم على أن الرأس إذا أزيل جاز الاقتناء، واختلفوا فيما إذا بقي الرأس مع جزء من البدن ولا تقوم الحياة بمثله على قولين (المبسوط 1/210, منح الجليل 3/529, تحفة المحتاج 7/433, كشاف القناع 1/280).

ويدل على ذلك:

• ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل عليه السلام، فقال لي: أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمُرْ برأس التمثال

الذي في البيت يقطع، فيصير كهيئة الشجرة، ومُرْ بالستر فليقطع، فليجعل منه وسادتين منبوذتين توطآن، ومُرْ بالكلب فليخرج"، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا الكلب لحسن -أو حسين- كان تحت نضد لهم، فأمر به فأخرج. (أبو داود 4158, الترمذي 2806 وقال: هذا حديث حسن).

قال البغوي: "فيه دليل على أن موضع التصوير إذا نقض حتى ينقطع أوصاله، جاز استعماله" (شرح السنة 12/134).

• قول ابن عباس رضي الله عنه:"الصورة الرأس فإذا قطع الرأس فليس بصورة" (البيهقي14275).

قال الطحاوي: "فلما أبيحت التماثيل بعد قطع رأسها الذي لو قطع من ذي الروح لم يبق،  دلَّ ذلك على إباحة تصوير ما لا روح له, وعلى خروج ما لا روح لمثله من الصور, مما قد نهي عنه في الآثار" (شرح معاني الآثار 4/287).

تصوير ما لا نظير له كالمخلوقات الخيالية:

نص أهل العلم على تحريم تصوير ونحت المخلوقات الخيالية التي تشابه ذوات الأرواح في طبيعتها وحياتها،  وإن كانت لا نظير لها معلوم في الواقع ؛ ككثير من الشخصيات الخيالية الكرتونية.

قال الشافعية: "قوله: (وصورة حيوان) أي: ومن المنكر ذلك ولو لِمَا لا نظير له ؛ كبقر له منقار... قوله: (ويحرم تصوير حيوان) ولو على هيئة لا يعيش معها ما لا نظير له كما مر , أو من طين أو من حلاوة، ويصح بيعها ولا يحرم التفرج عليها" (حاشية قليوبي 3/298, تحفة الحبيب 3/458).

تماثيل غير ذوات الأرواح (كالأشجار والمناظر الطبيعية):

اتفق العلماء على جواز تصوير غير ذوات الأرواح،  ومما يدل على ذلك :

ما جاء عن سعيد بن أبي الحسن قال: كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما، إذ أتاه رجل فقال: يا ابن عباس، إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي، وإني أصنع هذه التصاوير، فقال ابن عباس: لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول, سمعته يقول: "من صور صورة، فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ فيها أبدًا" فربا الرجل ربوة شديدة، واصفر وجهه، فقال ابن عباس: ويحك، إن أبيت إلا أن تصنع، فعليك بهذا الشجر، وكل شيء ليس فيه روح (البخاري 2225, مسلم 2110).

قال النووي: "وأما الشجر ونحوه مما لا روح فيه فلا تحرم صنعته ولا التكسب به, وسواء الشجر المثمر وغيره, وهذا مذهب العلماء كافة إلا مجاهدًا، فإنه جعل الشجر المثمر من المكروه, قال القاضي: لم يقله أحد غير مجاهد. واحتج مجاهد بقوله تعالى: "ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي", واحتج الجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم: "ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم", أي: اجعلوه حيوانًا ذا روح كما ضاهيتم, وعليه رواية: "ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقًا كخلقي", ويؤيده حديث ابن عباس رضي الله عنه المذكور في الكتاب: "إن كنت لابد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له" (شرح مسلم 14/91).

 

التماثيل المؤقتة كالحلويات والطين والثلج:

حكم صنع التماثيل المؤقتة:

اختلف أهل العلم في التماثيل لذوات الأرواح إذا كانت غير دائمة مثل ما يتم صنعه من الطين والصلصال والثلج والعجين والحلوى ونحو ذلك.

• فذهب جمهور أهل العلم إلى تحريمه لعموم النهي الوارد في التماثيل والتصوير (الشرح الكبير 2/337-338، حاشية قليوبي 3/298).

• وقال بعض المالكية لا بأس بها لكونها تبلى وليست دائمة،  ولأنها ممتهنة على هذه الحالة (البيان والتحصيل 9/366).

وهي بلا شك أهون من التماثيل الدائمة؛ بسبب عدم ديمومتها, وللامتهان الذي ينالها, ولصعوبة كونها ذريعة للشرك, لكن الأحوط الامتناع عنها لعموم الأدلة إذا كانت التماثيل مصورة واضحة المعالم.

حكم أكل الحلوى على شكل تمثال له روح:

سبق وأن وضحنا حكم صنع التماثيل المؤقتة،  أما أكلها إذا قدمت فجائز لا إشكال فيه لأنه إزالة للتمثال وإفساد له.

حكم شراء الحلوى على شكل التماثيل :

أما حكم الشراء تلك الحلوى فيحتمل القول بمنعه؛ لأن فيه إعانة للصانع والبائع، ويحتمل جوازه لأنه سبيل لأكله ومن ثم إفساد التمثال وإزالته.

 

تذكر

1. التماثيل أو الصور المجسمة لذوات الأرواح هي أشد أنواع التصاوير تحريماً في الشرع.

2. اتفق أهل العلم على أن التمثال إذا قطع رأسه جاز اقتناؤه.

3. يحرم نحت المخلوقات الخيالية التي تشابه ذوات الأرواح في طبيعتها وحياتها،  وإن كانت لا نظير لها معلوم في الواقع؛ ككثير من الشخصيات الخيالية الكرتونية.

4. اتفق العلماء على جواز نحت وتجسيد غير ذوات الأرواح؛ كالأشجار والجبال وغيرها.

5. اختلف أهل العلم في التماثيل لذوات الأرواح إذا كانت غير دائمة، مثل ما يتم صنعه من الطين والصلصال والثلج والعجين والحلوى ونحو ذلك، والأحوط تجنبها.

6. يجوز أكل الحلويات المصنوعة على هيئة تماثيل؛ لأن أكلها إزالة للتمثال وإفساد له.