حضور ومشاهدة السيرك

كلمة السيرك أو ما يطلق عليه بالإنجليزية (circus) يراد بها:

الخيمة أو المكان الذي يجتمع فيه الناس لمشاهدة المهرجين، والحيوانات المدربة، والموسيقيين، والفرق البهلوانية الذين يمشون على الحبال ويتأرجحون بطرق مثيرة، والأعمال الخداعية والفكاهية والغرائب، وأعمال الشعوذة والسحر وغير ذلك من الفعاليات.

وتعتبر حفلات السيرك من أشهر الفعاليات السياحية الجاذبة للعوائل لما فيها من الغرائب والعجائب التي تبهر الكبير والصغير.

ما حكم مشاهدتها وحضورها؟

تختلف أنواع مهرجانات السيرك المقامة بحسب ما يقدم فيها وبحسب ما يصاحبها من قرائن, ولتوضيح ذلك يقال:

الأصل جواز مشاهدة الرجال والنساء والأطفال للألعاب والاحتفالات إذا لم يصاحبها محرم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أُمنَّا عائشة رضي الله عنها لما كان الأحباش يلعبون في المسجد وعمرها حينذاك فوق الخامسة عشرة. (انظر: فتح الباري 9/336).

قالت عائشة رضي الله عنها: وكان يوم عيد، يلعب السودان بالدرق (جمع درقة وهي التُّرس) والحراب، فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم، وإما قال: "تشتهين تنظرين؟" فقلت: نعم، فأقامني وراءه، خدي على خده، وهو يقول: "دونكم يا بني أرفدة" (إغراء وتشجيعاً لهم، و أرفدة لقب جنس من الحبش يرقصون) حتى إذا مللت، قال: "حسبك؟" قلت: نعم، قال: "فاذهبي" (البخاري 950, مسلم 892).

وفي رواية: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد، حتى أكون أنا التي أسأم، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو" (البخاري 5236, مسلم 892).

وفي رواية المسند: قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: "لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة" (أحمد 24855).

قال المناوي: "وفيه رخصة في النظر إلى اللعب, أي إذا لم يكن ثَمَّ أوتار ولا مزمار" (فيض القدير3/436).

قال النووي: "وفي هذا الحديث بيان ما كان عليه رسول الله من الرأفة والرحمة وحسن الخلق والمعاشرة بالمعروف مع الأهل والأزواج وغيرهم. قولها: (وأنا جارية فاقدروا قدر الجارية حديثة السن): معناه أنها تحب اللهو والتفرج والنظر إلى اللعب حبا بليغا وتحرص على إدامته ما أمكنها ولا تمل ذلك" (شرح مسلم 6/184-185).

ولا يمنع من المشاهدة والحضور كون تلك الأفعال فيها خطورة على اللاعبين والمهرجين؛ لأنهم ممارسين ومتقنين لتلك الأفعال وتغلب سلامتهم.

قال في الدر المختار :".. وكذا يحل كل لعب خطر لحاذق تغلب سلامته،  كرمي لرام،  وصيد لحَيَّة، ويحل التفرج عليهم حينئذ " (6/404).

ويحرم الحضور والمشاهدة في الأحوال التالية:

1- إذا كان السيرك محتوياً على شيء من أعمال السحر والشعوذة:

فلا تجوز مشاهدة السحر وحضور مجالسه, وقد توافرت الأدلة على ذلك ومنها:

• قول الله تعالى في وصف عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}.

والسحر من أعظم الزور وأبطل الباطل، وهو كفر بالله العظيم، فلا تجوز مشاهدته ولا حضور مجالسه.

• وفي حديث معاوية بن الحكم السلمي أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام وإن منا رجالَا يأتون الكهان, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فلا تأتهم" (مسلم 537).

• قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة" (مسلم 2230).

 هذا إن سأله فقط بدون تصديق، فإن صدقه -عياذا بالله- فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم, كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "من أتى عرافًا أو ساحرًا أو كاهنًا فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" (أبو يعلى 5408, وقال ابن حجر في الفتح 10/217: أخرجه أبو يعلى من حديث ابن مسعود بسند جيد لكن لم يصرح برفعه ومثله لا يقال بالرأي).

كيف نعرف أعمال السحر والشعوذة:

الأمور الخارقة التي تقدم في السيرك والمهرجانات المختلفة على نوعين:

1- أفعال سحر وشعوذة تقوم على الاستعانة بالجن والتقرب إليها بالذبح أو بالأبخرة ونحو ذلك، فتعينه الجن على فعل أمور لا يستطيع فعلها بدونهم, كالتخييل للناس مال لم يروه على الحقيقة, وغير ذلك من أنواع السحر.

2- ومن هذه الأفعال ما هو من قبيل الحيل والخدع التي تصرف تركيز المشاهد إلى أمر ثم تفجأه بأمر آخر، أو من قبيل طول التدريب والممارسة.

 الحيل والخدع:

وهذه الحيل والأعمال على قسمين:

1- ما يمكن للعقل تصديق وتخيل كونه خدعة وحيلة أو قدرة طبيعية، وإن لم يعرف سرها على وجه الدقة, وهذه لا بأس بها, وهي كثيرة مشاهدة في ألعاب الأطفال وخدعهم.

2- ما يصعب أو يستحيل تصديق كونها حيلة أو خدعة أو قدرات وتدريبات طبيعية وإن قال أصحابها ذلك، كمن يطعن نفسه ولا يتأثر ويأكل الجمر ولا يتأثر، فهذه الأفعال وإن لم نجزم بكونها سحراً وشعوذة، إلا أننا نجزم بتحريم فعلها وحضورها ومشاهدتها، لما تسببه للناس من إيهام بالقدرة على صنع الخوارق، وَتُلبَّسُ عليهم القواعد والسنن الكونية التي جعلها الله حاكمة في الحياة من ارتباط الأسباب بالنتائج، كما أنها مدخل لانتشار أعمال السحر والشعوذة لصعوبة التفريق العقلي بينها.

2- إذا اشتمل السيرك على محرمات أخرى مثل:

1- أن يقوم بالألعاب البهلوانية نساء (عندما يكون المشاهد رجلاً):

 خاصة وأن العادة جرت في كثير من البلاد بإحضار النساء اللاتي يلبسن الملابس الضيقة ويظهرن مفاتنهن إلى السيرك, والنظر إلى مثل ذلك حرام بالإجماع.

2- أن يكون هناك تزاحم بين الرجال والنساء؛ لأن هذه من المواطن التي يخشى فيها من الفتنة, وفي الحديث المتقدم: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه".

3- أن تصرف المشاهدة عن واجب أو تؤدي إلى محرم.

 الفائدة الأولى

حيل قديمة

كان غلاة الصوفية يفعلون بعض الحيل والعجائب، ويدعون من وراء هذا العمل الولاية والكرامة وقد كشفهم شيخ الإسلام رحمه الله في قصته مع الصوفية "البطائحية" حين أوهموا العامة بقدرتهم على دخول النار فتحداهم شيخ الإسلام بأن يدخل هو وكبير مشايخهم النار لكن بشرط أن يغتسلوا جميعا بالخل والماء الحار. فسأله الأمراء والناس عن ذلك فقال: "لأن لهم حيلا في الاتصال بالنار يصنعونها من دهن الضفادع وقشر النارنج وحجر الطلق" فضج الناس وامتنع كبيرهم وذلّ وتغيّر واصفرّ وجهه. (انظر: مجموع الفتاوى 11/445، 467).

الفائدة الثانية

استدلال لطيف

استدل بعض أهل العلم على جواز رؤية الألعاب الغريبة والعجيبة بطريقة لطيفة من قوله صلى الله عليه وسلم:" حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " فكما يستمتع بسماع الأخبار العجيبة لمجرد التسلية والاكتشاف وهي لا تفيد حجة ولا ديناً : فيجوز مشاهدة الأفعال العجيبة الغريبة بقصد الفرجة والمتعة لا غير (انظر: تحفة المحتاج في شرح المنهاج 9/ 399).

 

تذكر

1. الأصل جواز مشاهدة الألعاب والاحتفالات كما أذن النبي صلى الله عليه وسلم لأمنا عائشة رضي الله عنها.

2. يحرم مشاهدة أعمال السحر والشعوذة.

3. يحرم على الرجال مشاهدة الأعمال البهلوانية التي تقدمها النساء.

4. يحرم مشاهدة الأفعال والحيل التي يصعب على العقل تصديقها وألحقها بعض أهل العلم بأعمال الشعوذة.