السياحة في بلاد الكفار

الأصل جواز السفر والانتقال من بلد لآخر، وكذلك السكنى في أي بلدٍ مادام المسلم قادرًا على إقامة دينه(انظر: مراتب الإجماع ص 151).

قال ابن عابدين: "الأصل في التلاوة العبادة إلا بعارض, نحو رياء أو سمعة أو جنابة فتكون معصية, وفي السفر الإباحة إلا بعارض نحو حج أو جهاد فيكون طاعة، أو نحو قطع طريق فيكون معصية" (رد المحتار 2/121, وانظر: الفواكه الدواني 1/254).

فالسفر مباح في الأصل, ولكنه وسيلة تأخذ حكم الغاية منها (انظر: حكم السياحة في الإسلام).

والمشهور عند العلماء أن السفر للتنزه والفرجة من قبيل السفر المباح (البيان 2/450, الإنصاف 3/237, شرح الزركشي 2/141-142).

والمشهور أيضًا جواز دخول دار الكفر بأمان لتجارة ونحوها، وإن كان مع الكراهة عند بعض العلماء (بدائع الصنائع 7/102, مواهب الجليل 2/518,روضة الطالبين 10/289, كشاف القناع 3/131-132).

وقد ورد السفر إلى بلاد الكفار للتجارة عن بعض الصحابة:

• فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "لقد خرج أبو بكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تاجرًا إلى بصرى..." (الطبراني في المعجم الكبير 674,وانظر: مسند أحمد 26687, مسند الطيالسي 1705, قال الذهبي في السير 2/411: هذا حديث حسن, وقال الهيثمي في الزوائد 4/63: رواه الطبراني في الكبير، والأوسط بنحوه، ورجال الكبير ثقات).

• وقال سعيد بن المسيب: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجرون في بحر الروم, منهم طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل" (إصلاح المال لابن أبي الدنيا 229, تاريخ دمشق 25/57 بلفظ: يتجرون في بحر الشام إلى الروم).

 حكم السياحة في بلاد الكفار:

بغض النظر عن طريقة الحكم على بلد ما بأنه بلد إسلام أو بلد كفر، سواء أكان ذلك بأغلبية الشعب أم بنظام الحكم أم بغير ذلك من الاعتبارات، فإن الأصل جواز السفر والانتقال لبلاد المسلمين والكفار مالم تكن دار حرب بالشروط التالية:

1- إمكانية إقامة الدين والشعائر والعبادات:

 فإن ذلك واجب على الإنسان، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

قال تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}.

قال ابن كثير: "هذا أمر من الله لعباده المؤمنين بالهجرة من البلد الذي لا يقدرون فيه على إقامة الدين، إلى أرض الله الواسعة، حيث يمكن إقامة الدين، بأن يوحدوا الله ويعبدوه كما أمرهم" (تفسير ابن كثير 6/290).

قال في كشاف القناع: "(وإن عجز عن إظهار دينه فيها فحرام سفره إليها) لأنه تعرض بنفسه إلى المعصية" (3/132).

2- أن يأمن على نفسه من الضرر والتهلكة أو الحبس والاحتجاز:

 فإن المسلم مأمور بالحفاظ على نفسه من الضرر والتهلكة، كما قال تعالى: }وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا{, وقال صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" (ابن ماجه 2341, أحمد 2865, قال الحوت في أسنى المطالب ص 324: رواه مالك مرسلاً، ورواه أحمد وابن ماجة وغيرهما بسند فيه جابر الجعفي، وهو ضعيف، وأخرجه ابن أبي شيبة والدارقطني بسند آخر وله طرق، فهو حسن).

فيحرم السفر إلى بلاد يعرض فيها لمسلم نفسه وبدنه وحريته للخطر لانعدام الأمن فيها وكثرة العصابات وقطاع الطرق، أو في حال تقصدهم إيذاء المسلمين وانتشار العنصرية المؤذية فيها.

3- أن يأمن على دينه ويصونه ويحفظه:

فيبتعد عن مواطن الشهوات والشبهات قدر استطاعته، ويكون لديه من الإيمان والتقوى ما يعصمه من الوقوع في الشهوات، ويكون لديه من اليقين والعلم ما يحفظه من الشبهات والزيغ.

وينبغي التنبيه أن كثيراً من الأطفال تعلق في ذهنه مشاهد ومواقف وتساؤلات أثناء السفر قد تؤثر عليه في مستقبله، فينبغي الحرص والشديد في اختيار الأماكن التي يرونها, وطريقة المعالجة التربوية الصحيحة في التعليل والإجابة على تساؤلاتهم.

وهذه الشروط تشمل السفر إلى بلاد المسلمين والكفار، وقد تكون الخطورة على الدين أو النفس في بعض البلدان ذات الأغلبية المسلمة أشد من بلاد أخرى ذات أغلبية من غير المسلمين.

ولا يلزم لإباحة السفر وجود الحاجة الملحة، فإن الأصل في السفر الجواز إذا أمن المسافر على دينه ونفسه, وأقام شرع الله على نفسه.

ومع ذلك فالأولى البحث عن بلاد يكثر فيها الخير ويقل فيها الشر، ولأن يبذل المسلم ماله أثناء سياحته للمسلمين أولى من بذلها لغيرهم، فإذا وجدت المصلحة الراجحة أو الحاجة الملحة لذلك السفر انتقل الحكم من أصل الإباحة إلى ما هو أكثر من ذلك بحسب تلك المصلحة أو الحاجة.

قال الكاساني: "لا بأس بحمل الثياب والمتاع والطعام، ونحو ذلك إلى دار الحرب؛ لانعدام معنى الإمداد، والإعانة على الحرب، وعلى ذلك جرت العادة من تجار الأعصار، أنهم يدخلون دار الحرب للتجارة من غير ظهور الرد والإنكار عليهم، إلا أن الترك أفضل؛ لأنهم يستخفون بالمسلمين، ويدعونهم إلى ما هم عليه، فكان الكف والإمساك عن الدخول من باب صيانة النفس عن الهوان، والدين عن الزوال، فكان أولى" (بدائع الصنائع 7/102).

فائدة

الأرض وعبادة الله

خلق الله الناس لعبادته وحده لا شريك له, كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}. وخلق لهم الأرض لكي يعيشوا فيها فيعبدوا ربهم بها، كما قال تعالى: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ}.

فأينما استطاع العبد عبادة ربه في أمان فله أن يسكن فيه ويزوره وينتقل إليه.

وقد جمع الله الأمرين في قوله جل وعلا: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}.

فإذا لم يستطع المسلم عبادة ربه بأرض فعليه أن ينتقل إلى أرض يمكن له فيها أن يعبد الله وحده ويمكنه إظهار ذلك.

قال الطبري "معنى ذلك: إن أرضي واسعة، فاهربوا ممن منعكم من العمل بطاعتي؛ لدلالة قوله: {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} على ذلك، وأن ذلك هو أظهر معنييه، وذلك أن الأرض إذا وصفها بِسعَة، فالغالب من وصفه إياها بذلك لا تضيق جميعها على من ضاق عليه منها موضع، لا أنه وصفها بكثرة الخير والخصب. وقوله: {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُون} يقول: فأخلصوا لي عبادتكم وطاعتكم، ولا تطيعوا في معصيتي أحدًا من خلقي" (تفسير الطبري 20/56-57).