شرع الإسلام النظام ونبذ الاختلاف المؤذي في جوانب الحياة كلها، ولما كان المسافرون يبتعدون عن مركز السلطة والنظام في المدن، ويحتاجون لاتخاذ عدد من القرارات ذات العلاقة برحلتهم: شُرِعَ لهم التأمير؛ لجمع كلمتهم ووضع آلية واضحة لاتخاذ القرار.
أحوال المسافر:
1- المسافر الفرد: أمير نفسه.
2- الاثنان يتطاوعان, أي يتوافقان (يوافق أحدهما الآخر ولا يختلفان) فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن: يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا (البخاري 3038 مسلم 1733).
فقد يثقل على أحدهما اتباع الآخر مطلقًا، كما أنه لا يستقيم الأمر إن تمسك كل واحد برأيه ولم يطاوع زميله في السفر.
3- الثلاثة فما فوق: يشرع لهم تأمير أحدهم باتفاق العلماءلقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم (أبو داود 2609 البيهقي 10349 قال النووي في رياض الصالحين ص 299: حديث حسن).
حكم التأمير في السفر للثلاثة فما فوق:
1- ذهب جمهور العلماء إلى استحباب التأمير في السفر للحديث السابق (المجموع 4/390 بريقة محمودية 4/180 فيض القدير 1/333< تطريز رياض الصالحين ص 563).
2- وذهب بعض أهل العلم إلى الوجوب منهم ابن تيمية والغزالي ووجه عند الحنابلة (مجموع الفتاوى 28/390 إحياء علوم الدين 2/252 الآداب الشرعية 1/423).
وقد استدل القائلون بالوجوب بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ولا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلا أمروا عليهم أحدهم (قال الألباني في السلسلة الضعيفة 2/56: هذا مما تفرد به ابن لهيعة فهو ضعيف منكر).
والراجح هو القول بالاستحباب عمومًا، ولا يقال بالوجوب إلا إذا كان السفر ينطوي على عدد من المخاطر والصعوبات المتوقعة, فيجب التأمير حينئذ حسمًا لمادة الاختلاف العملي المؤذي للجماعة في تلك الظروف الصعبة، ولهذا جاء النص على الفلاة في الحديث السابق إن صح: لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة ..
اختيار القائد:
يختار الأمير بناء على صلاحيته لتلك المهمة من حيث أمانته وتقواه وعلمه، ومن حيث قدراته وصفاته في صواب الرأي وحسن التدبير لأمور السفر، وتمام المروءة وسخاء اليد، والرحمة بالضعيف في التعامل مع بقية الرفقة، ونحو ذلك (انظر: المدخل 4/48).
صلاحيات القيادة:
ينبغي على الرفقة طاعة الأمير فيما يتعلق بأمور السفر والسكن والطريق والتوقفات والمواعيد ونحو ذلك، ولا سلطة له عليهم في غير ذلك قال الرملي: ويسن التأمير لجمع قصدوا سفرًا، وتجب طاعة الأمير فيما يتعلق بما هم فيه (نهاية المحتاج 8/62).
قال ابن عثيمين: وظاهر الحديث أن هذا الأمير إذا رضوه وجبت طاعته فيما يتعلق بمصالح السفر؛ لأنه أمير، أما ما لا يتعلق بأمور السفر فلا تجب طاعته؛ كالمسائل الخاصة بالإنسان، إلا أنه لا يعني ذلك أن هذا الأمير يستبد .. فعليه أن يشاورهم في الأمور التي يخفى فيها جانب المصلحة ولا يستبد برأيه، أما الأمور الواضحة فلا حاجة للمشورة فيها (شرح رياض الصالحين 4/586).
حدود قيادة السفر:
ينتهي دور الأمير بالوصول للمقصد وانتهاء السفر، أو باتفاق المجموعة على عزله وتأمير غيره (انظر: دليل الفالحين 6/444).
تذكر
1. يشرع للثلاثة فما فوق تأمير أحدهم في السفر قطعًا لمادة الخلاف ويتأكد ذلك في السفر المخوف.
2. يشرع للمسافرين عمومًا التطاوع وعدم التنازع.
3. يختار الأمير بناء على صلاحيته لإنجاح السفر عبر معرفته وحكمته، ولا يلزم طاعته إلا في أمور السفر والانتقال.
4. ينتهي دور أمير السفر بالوصول للمقصد وانتهاء السفر.