الزواج بنية الطلاق

يكثر حديث السائحين عن حكم الزواج بنية الطلاق وصورة ذلك: أن يتزوج المسلم من يجوز له الزواج منها وفي نيته أن يطلقها إذا انتهى من دراسته أو سفره وأراد الرجوع . فما هو الصحيح في ذلك؟

ينبغي أن يفرق بين الزواج بنية الطلاق وبين نكاح المتعة:

فقد أجمع أهل العلم على تحريم نكاح المتعة وهو أن ينكح الرجل المرأة بمقابل مالي  مدة معينة يتفقان عليها و ينتهي النكاح بانتهائها من غير طلاق، وليس فيه وجوب نفقة ولا سكنى ولا توارث يجري بينهما.

فهذا النكاح كان مباحًا في صدر الإسلام ثم جاء تحريمه، وبقي بعض الصحابة يقولون بحله زمنًا، ثم رجعوا عن القول به، واستقر إجماع الأمة على تحريمه.

قال الإمام ابن المنذر: جاء عن الأوائل الرخصة فيها، ولا أعلم اليوم أحدًا يجيزها إلا بعض الرافضة، ولا معنى لقولٍ يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وقال القاضي عياض: ثم وقع الإجماع من جميع العلماء على تحريمها إلا الروافض (انظر فتح الباري 9 / 173).

فما هو الزواج بنية الطلاق؟

هو أن يتزوج الرجل المرأة بولي ومهر وشهود وإعلان واستكمال كل الشروط والأركان، ولكن الزوج يضمر في داخله نية تطليقها بعد زمن معين كشهر وسنة أو بعد زمن مجهول، كمتى ما انقضى من عمله ودراسته سواء كان الوقت طويلًا أو قصيرًا.

وقد اختلف أهل العلم في هذا النكاح على أقوال:

  1. صحة النكاح لاجتماع شروطه وانتفاء موانعه وهو قول جمهور أهل العلم.
  2. أن هذا النكاح باطل وحكمه حكم نكاح المتعة وهو قول الأوزاعي والمعتمد عند متأخري الحنابلة، وأفتت بذلك اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالمملكة العربية السعودية والشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله. دليل ذلك أنه نوى وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى. (البخاري 1) وهذا الرجل قد دخل على نكاح مؤقت كالمتعة، فكما أنه إذا نوى التحليل وإن لم يشترطه: صار حكمه حكم المشترط، فكذلك إذا نوى المتعة وإن لم يشترطها، فحكمه كمن نكح نكاح متعة.
  3. أنه زواج محرم  لما يحتويه من الغش والخداع ولكن العقد صحيح تترتب عليه الأحكام من السكنى والنفقة والتوارث وغير ذلك.

فهو محرم لما يعتريه من الخيانة والخداع والغش والله تعالى يقول : {وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} وهذا النكاح فيه تلاعب وعبث وتساهل بعقد النكاح. فإن تجرأ عليه أحد من ضعاف النفوس قلنا له العقد صحيح فتثبت جميع أحكام النكاح  لأنه مستوف لشروط صحة العقد.

وهذا هو الصحيح من أقوال أهل العلم وأفتى به المجمع الفقهي وعدد من المعاصرين كالشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله وذلك لعدد من الأمور:

  • لأن فيه غشًا وخداعًا للمرأة ووليها.
  • لأن فيه تلاعبًا بعقد النكاح الذي يقول فيه تبارك وتعالى: {وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا}.
  • لما فيه من شبه بنكاح المتعة من بعض الوجوه.
  • ما يحدثه من صورة سيئة عن المسلمين في بلاد الكفر.

ولهذ قال مالك رحمه الله: ليس هذا من أخلاق الناس (شرح مسلم للنووي 9/182).

وقد أفتى بذلك مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي في الدورة الثامنة عشرة، القرار الخامس بتاريخ 12/3/1427 وهذا نصها: الزواج بنية الطلاق وهو: زواج توافرت فيه أركان النكاح وشروطه وأضمر الزوج في نفسه طلاق المرأة بعد مدة معلومة كعشرة أيام، أو مجهولة ؛ كتعليق الزواج على إتمام دراسته أو تحقيق الغرض الذي قدم من أجله.

وهذا النوع من النكاح على الرغم من أن جماعة من العلماء أجازوه، إلا أن المجمع يرى منعه؛ لاشتماله على الغش والتدليس. إذ لو علمت المرأة أو وليها بذلك لم يقبلا هذا العقد. ولأنه يؤدي إلى مفاسد عظيمة وأضرار جسيمة تسيء إلى سمعة المسلمين.

هل علم الزوجة بنية الزوج تجيز هذا النكاح؟

إن كان هذا الأمر بمعرفة الزوجة ولم يذكراه في العقد فقيل: إنه يكره ولا يحرم، والصحيح أن هذا محرم لشبهه الكبير بالمتعة ولما فيه من التلاعب بعقد النكاح من الطرفين.

 قال ابن عثيمين رحمه الله: والغش والخداع هو أن الزوجة ووليها لو علما بنية هذا الزوج، وأن من نيته أن يستمتع بها ثم يطلقها ما زوَّجوه، فيكون في هذا غش وخداع لهم. فإن بيَّن لهم أنه يريد أن تبقى معه مدة بقائه في هذا البلد، واتفقوا على ذلك: صار نكاحه متعة. (الباب المفتوح سؤال 1391)

تذكر

  1. نكاح المتعة محرم بإجماع أهل العلم وهو ما حصل الاتفاق في العقد على مدة يحصل بعدها انفساخ العقد.
  2. إذا تزوج ونيته مترددة بين أن يطلق أو يمسك فهذا نكاح صحيح جائز.
  3. إذا تزوج وفي نيته أن يطلق في زمن قريب أو بعيد فهذا نكاح محرم لما فيه من الغش والتلاعب بالنكاح.
  4. من تزوج بنية الطلاق فقد ثبتت له وعليه أحكام النكاح فالعقد صحيح مع الإثم ولا يلزمه أن يطلق.
  5. إذا علمت المرأة بنية الرجل فهذا لا يسوغ الزواج بنية الطلاق  لما فيه من الشبه بنكاح المتعة والتلاعب بعقد النكاح من الطرفين.