المسجد الأقصى

المسجد الأقصى هو مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد أقدس الأماكن وأشرفها لدى المسلمين، والتي يشرع للمسلم الحرص على زيارته والصلاة فيه ومجاورته، نسأل الله أن يفك أسره ويرزقنا فيه صلاة قبل الممات.

حدود المسجد الأقصى:

تشمل أحكام المسجد الأقصى كامل الساحة الشريفة التي تحويها أسواره وليس فقط بما يسمى اليوم المسجد القبلي أو مسجد الصخرة فجميع ما في داخل السور من المسجد الأقصى.

يقول مجير الدين الحنبلي: "إن المتعارف عند الناس أن الأقصى من جهة القبلة, الجامع المبني في صدر المسجد الذي فيه المنبر والمحراب الكبير, وحقيقة الحال أن الأقصى اسم لجميع المسجد مما دار عليه السور.. فإن هذا البناء الموجود في صدر المسجد وغيره من قبة الصخرة والأروقة وغيرها محدثة,والمراد بالمسجد الأقصى جميع ما دار عليه السور" (الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل 2/24).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإن المسجد الأقصى اسم لجميع المسجد الذي بناه سليمان عليه السلام، وقد صار بعض الناس يسمي الأقصى المصلى الذي بناه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مقدمه، والصلاة في هذا المصلى الذى بناه عمر للمسلمين أفضل من الصلاة في سائر المسجد" (الفتاوى 27/11).

مساحة المسجد الأقصى:

تبلغ مساحة المسجد الأقصى المبارك 144 ألف متر مربع (أي ما يعادل نحو سدس البلدة القديمة)، وتبلغ أطوال سوره: 491م من الغرب، و462م من الشرق، و310م من الشمال، و281م من الجنوب.

من فضائل المسجد الأقصى:

1- أنها أرض الأنبياء، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعراجه، وفيها صلى النبي صلى الله عليه وسلم إماماً بالأنبياء ليلة الإسراء والمعراج,}سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَه{.

2- أن الله قد حباها بالبركة والقداسة, وتلك البركة تنطلق من المسجد الأقصى إلى ما حوله من البقاع, قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَه} وقال: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا}, وقال على لسان موسى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}. كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد دعا لها بالبركة في قوله: "اللهم بارك لنا في شامنا" (البخاري 7094), وبيت المقدس هو سُرَّةُ بلاد الشام. وهذه البركة الثابتة لهذه الأرض تتوسع وتشع في دوائر حول المسجد الأقصى، وتتعدد هذه الدوائر وتكبر، فنواة البركة ومحورها المسجد الأقصى وبيت المقدس.

3- أن الصلاة في مسجدها تضاعف وتفضل على الصلاة في غيرها من المساجد إلا المسجد الحرام والمسجد النبوي.

مقدار المضاعفة في المسجد الأقصى:

وقد اختلف أهل العلم في قدر تلك المضاعفة بناء على اختلاف الأحاديث في ذلك والحكم عليها صحة وضعفاً، ونظرهم في الجمع بينها أو الترجيح على النحو التالي:

1- أنها تعدل ألف صلاة، دليل ذلك ما ورد عن ميمونة بنت سعد قالت: قلت: يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس، قال: "أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه بألف صلاة في غيره..." (ابن ماجه 1407, الطبراني في الكبير 20578), قال العراقي: "وأصح طرق أحاديث الصلاة ببيت المقدس أنها بألف صلاة" (طرح التثريب 6/52).

2- أنها تعدل خمسمائة صلاة في غيره، دليله ما ورد عن أبي الدرداء: قال صلى الله عليه وسلم: "فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مئة ألف صلاة, وفي مسجدي ألف صلاة, وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة" (البزار 4142 وقال: إسناده حسن, وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/7: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات وفي بعضهم كلام وهو حديث حسن).

 وقال ابن تيمية: "فقد روي أنها بخمسين صلاة, وقيل بخمسمائة صلاة وهو أشبه" (الفتاوى 27/8).

3- أنها تعدل مائتين وخمسين صلاة، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم المصلى هو، وليوشكن أن يكون للرجل مِثْل شطن فرسه (الحبل) من الأرض حيث يَرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعًا" (الحاكم 8553 وصححه ووافقه الذهبي, الطبراني في الأوسط 6983, وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/7: رجاله رجال الصحيح).

وهذا هو الراجح في الصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة، فتكون الصلاة في المسجد الأقصى تعدل مائتين وخمسين صلاة.

وقال بعض أهل العلم بالجمع بين الأحاديث وأن الله تفضل على عباده بزيادة تفضل منه في مضاعفة الصلاة في المسجد الأقصى درجة فدرجة إلى أن ساواه في الفضيلة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم بألف صلاة (انظر: شرح مشكل الآثار 2/75).

وإنما يصار إلى الجمع عند صحة الأحاديث, أما إذا كان أحدها صحيحاً والآخر ضعيفاً فيجب تقديم الصحيح على غيره.

4- أنها أرض المحشر والمنشر، لما ورد أن ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس، قال: "أرض المحشر والمنشر".

5- أنها أحب إلى المسلم من الدنيا وما فيها, لقوله صلى الله عليه وسلم: ".. ولنعم المصلى، وليوشكن أن يكون للرجل مثل سية قوسه (طرفي قوسه) من الأرض حيث يرى بيت المقدس خيرًا له من الدنيا وما فيها" (الطبراني في الأوسط 8230, وقال الهيثمي في الزوائد 4/7: رجاله رجال الصحيح).

 6- حرص الأنبياء والصالحين على زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه والسكن في بيت المقدس ومجاورة الأقصى, فقد زار بيت المقدس عمر بن الخطاب وأبو عبيدة وسعيد بن زيد وأم المؤمنين صفية وأبو الدرداء وسلمان الفارسي وعمرو بن العاص رضي الله عن الجميع, بل إن موسى عليه الصلاة والسلام لما نزلت به الوفاة سأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر, قال أبو هريرة: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كنت ثَمَّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر" (البخاري 3407, مسلم 2372).

7- أن من أهلها طائفة على الحق ظاهرين إلى قيام الساعة، لما روى أبو أمامة الباهلي, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم.. قالوا: فأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" (رواه أحمد 22320).

8- من لم يستطع زيارته فليرسل زيتاً يضاء به وليدعم صموده وبقاءه شامخاً ضد مخططات اليهود:

 فعن ميمونة بنت سعد، ويقال بنت سعيد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قلت يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس، قال: "أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره" قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه؟ قال:"فتهدي له زيتًا يسرج فيه، فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه" (ابن ماجه 1407 قال البوصيري في مصباح الزجاجة 2/14: وإسناد طريق ابن ماجة صحيح رجاله ثقات، وهو أصح من طريق أبي داود).

قبة الصخرة:

بنى الوليد بن عبد الملك بأمر من أبيه قبة فوق الصخرة في وسط باحة الأقصى المبارك ودعا لها أمهر البنائين والمهندسين وقد استمر البناء أربع سنين وتم عام 72ه, وتسمى هذه القبة مسجد الصخرة عند كثير من الناس.

مواصفات الصخرة:

يبلغ طول الصخرة نحو 18متراً, وعرضها نحو 13 متراً, وارتفاعها قرابة المتر بشكل غير منتظم حيث جانبها المرتفع من جهة الغرب والمنحدر من جهة الشرق، وتحت هذه الصخرة مغارة ينزل إليها من الناحية الجنوبية.

مكانة الصخرة في الإسلام:

الصخرة جزء من الأقصى المبارك, وهي قبلة اليهود فيعظمونها أشد التعظيم, مقابل النصارى الذين يقصدون إهانتها وتدنيسها.

والإسلام وسط بين الطرفين فالصخرة جزء من الأقصى المبارك, وكانت هي قبلة المسلمين الأولى, ولم يعد لها بعد النسخ فضل غير أنها جزء من جنبات الأقصى الذي بارك الله فيه وقدسه، ولا دليل يثبت أنها كانت مكان معراجه إلى السماء كما هو مشتهر بين الناس، بل ولا يصح حديث خاص في تشريفها وفضلها, قال ابن القيم رحمه الله: "كل حديث في الصخرة فهو كذب مفترى" (المنار المنيف 87).

قال ابن تيمية رحمه الله: "وذلك أنها كانت قبلة، ثم نسخت. وهي قبلة اليهود، فلم يبق في شريعتنا ما يوجب تخصيصها بحكم، كما ليس في شريعتنا ما يوجب تخصيص يوم السبت, وفي تخصيصها بالتعظيم مشابهة لليهود" (اقتضاء الصراط 2/348).

ولهذا لما دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيت المقدس لم يعظم الصخرة كاليهود، ولكنه أزال عنها الأوساخ التي وضعها النصارى.

وقد قال لكعب الأحبار وكان من علماء اليهود قبل إسلامه : أين ترى أن أصلي؟ فقال: إن أخذت عني صليت خلف الصخرة، فكانت القدس كلها بين يديك.

فقال عمر رضي الله عنه: ضاهيت اليهودية، لا، ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتقدم إلى القبلة فصلى، ثم جاء فبسط رداءه فكنس الكناسة في ردائه، وكنس الناس. (أحمد 261).

فائدة

خرافة حول الصخرة

أورد مجير الدين صاحب الأنس الجليل أنه اشتهر بين الناس أن الصخرة معلقة بين السماء والأرض وانقطعت من كل جهة عن الأرض، لا يمسكها إلا الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وذكر بعد إيراد هذا القول أنه  كلام عجيب جداً. (2/17-18) فالصخرة ملتصقة بالأرض من جوانبها,والمشاهدة الواقعية تثبت هذا.

 تذكر

1. تشمل أحكام المسجد الأقصى كامل الساحة الشريفة التي تحويها أسواره.

2. فضَّل الله المسجد الأقصى بعدد من الفضائل ومن ذلك أن الصلاة فيه تعدل مائتين وخمسين صلاة فيما سواه.

3. الصخرة جزء من الأقصى المبارك وكانت قبلة المسلمين الأولى.

4. لم يعد للصخرة بعد نسخ القبلة أي مزية على غيرها من جنبات الأقصى المبارك.

5. الإسلام وسط بين اليهود الذين يعظمون الصخرة على غيرها والنصارى الذين يقصدون إهانتها.

6. لا يشرع تقبيل أو استلام الصخرة أو غيرها من جنبات الأقصى.