يجب على من نوى الإحرام أن يحرم من ميقات بلده، ومن تجاوز الميقات بدون إحرام له ثلاثة أحوال:
1- الحالة الأولى
من تجاوز الميقات بدون نية الإحرام ثم طرأت عليه نية العمرة أو الحج:
ذهب جماهير أهل العلم وهو المشهور عن الأئمة الأربعة إلى أن من تجاوز الميقات لعمل وزيارة خارج الحرم وليس في نيته الإحرام، ثم جدت له نية العمرة والحج: يشرع له أن يحرم من الموضع الذي جدت النية فيه إن كان خارج حدود الحرم، ولا يلزمه الرجوع للميقات (رد المحتار 2/478, شرح الخرشي 2/304, تحفة المحتاج 4/43, شرح منتهى الإرادات 1/526).
قال الإمام مالك: " وكذلك لو أن رجلاً من أهل مصر كانت له حاجة بعسفان فبلغ عسفان وهو لا يريد الحج، ثم بدا له أن يحج من عسفان فليحج من عسفان، ولا شيء عليه لما ترك من الميقات؛ لأنه جاوز الميقات وهو لا يريد الحج ثم بدا له بعدما جاوز أن يحج، فليحج وليعتمر من حيث بدا له، وإن كان قد جاوز الميقات فلا دم عليه" (المدونة 1/402).
2- الحالة الثانية
من تجاوز الميقات وفي نيته أنه سيعتمر إن تيسر له وليس جازمًا:
يسافر كثير من الناس إلى جدة أو مكة في عمل ولا يدري هل يستطيع أداء العمرة أو لا؟ وعنده أن ذلك معلق بظروف الوقت والعمل، وهو حريص على أداء العمرة إذا سمحت ظروفه وأمكنه ذلك.
وهذه الحالة ملحقة بما قبلها فلا يلزمه الإحرام من الميقات، بل يكفيه أن يحرم من مكانه إن كان بين المواقيت والحرم، أما إن كان داخل الحرم فيحرم من مكانه للحج، ويحرم من أدنى الحل للعمرة.
وذلك لأنه لم يصدق عليه أنه مريد للحج والعمرة لما جاوز الميقات, فمجرد حرصه على أداء العمرة وتفكيره فيها إن تيسرت له ليس نية تلزمه بالإحرام من الميقات، فالمراد النية والعزم والإرادة الجازمة أثناء تجاوزه للميقات.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "هن لهن، ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ, حتى أهل مكة من مكة" (البخاري 1524, مسلم 1181).
3- الحالة الثالثة
من تجاوز الميقات وفي نيته وعزمه أنه متى ما أنهى عمله أو زيارته أحرم وأتى بعمرة:
مثاله: رجل سافر إلى جدة صباح السبت لحضور مؤتمر يستمر يومي السبت والأحد وينوي أن يؤدي العمرة يوم الاثنين صباحاً قبل سفره.
أحوال من يتجاوز الميقات بدون إحرام وفي نيته العمرة:
1- أن يحرم من ميقاته قبل أن يدخل جدة، فيحضر المؤتمر أو العمل وهو بإحرامه ثم يؤدى العمرة بعد انتهاء عمله، ويكون قد أدى ما عليه إجماعاً .
2- أن يرجع إلى ميقاته الأصلي ويحرم منه بعد انتهاء عمله، وهنا يكون قد أدى ما عليه اتفاقاً (بدائع الصنائع 2/165, مواهب الجليل 3/43, مغني المحتاج 2/227, كشاف القناع 2/404).
قال ابن قدامة: "من جاوز الميقات مريدًا للنسك غير محرم، فعليه أن يرجع إليه ليحرم منه، إن أمكنه، سواء تجاوزه عالمًا به أو جاهلًا، علم تحريم ذلك أو جهله. فإن رجع إليه، فأحرم منه، فلا شيء عليه. لا نعلم في ذلك خلافًا" (المغني 3/252).
3- أن يرجع لميقات آخر ليس هو ميقاته الأصلي كمن يقدم من المدينة إلى جدة وبعد انتهاء عمله يحرم من قرن المنازل أو وادي محرم أو يلملم, وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
1- فذهب الحنابلة والمالكية إلى أن عليه الرجوع إلى ميقاته (كشاف القناع 2/404, مواهب الجليل 3/42).
2- وذهب الشافعية إلى أن عليه أن يرجع إلى ميقاته أو إلى مثل مسافته من ميقات آخر. (مغني المحتاج 2/227, نهاية المحتاج 3/261).
3- وذهب الحنفية إلى أن له الرجوع إلى أي ميقات من المواقيت ولو كان أقرب ميقات. (رد المحتار 2/580).
وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم فيجوز له أن يعود لأقرب ميقات له ولو لم يكن هو ميقاته الأصلي؛ لأنه داخل عندئذ في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "ولمن أتى عليهن من غير أهلهن".
أما إذا لم يرجع لأقرب ميقات له وأحرم من مكانه:
فاتفق أهل العلم على أنه قد ترك واجباً من واجبات الحج أو العمرة وهو الإحرام من الميقات. (رد المحتار 2/577, حاشية الدسوقي 2/24, مغني المحتاج 2/228, شرح الزركشي 3/66).
واختلفوا في وجوب الدم:
1- فذهب جمهور أهل العلم من المذاهب الأربعة على وجوب الدم عليه؛ لقول الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "من نسي من نسكه شيئًا أو تركه، فليهرق دمًا" (مالك 1583, البيهقي 8925, قال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير 1/350: رواه مالك والبيهقي موقوفًا عليه بإسناد صحيح، ولا أعرفه مرفوعًا).
2- وذهب عطاء والنخعي والحسن البصري إلى أنه لا شيء على من ترك الإحرام من الميقات وهو يريد الحج أو العمرة (طرح التثريب 5/5, شرح صحيح البخاري لابن بطال 4/192).
واستدلوا بعدم الدليل الصريح مع عموم البلوى بذلك, وأموال الناس معصومة, والأصل براءة الذمة.
وقول جمهور أهل العلم القائلين بالفدية أحوط وأبرأ للذمة.
تذكر
- من تجاوز الميقات وليس في نيته الإحرام ثم طرأ له يحرم من مكانه.
- من تجاوز الميقات بدون إحرام وفي نيته أنه سيعتمر إذا ما تيسر له وليس جازما يحرم متى ما جزم في نيته.
-
من تجاوز الميقات وفي نيته أنه سيعتمر بعد إنجاز عمل ما فله أحوال:
- أن يحرم من ميقاته ويتم عمله وهو محرم ثم يعتمر
- أن يرجع إلى ميقاته الأصلي ويحرم منه بعد انتهاء عمله
- ويجوز له أن يرجع إلى ميقات آخر غير ميقاته
- من تجاوز الميقات بغير إحرام وهو مريد للعمرة ولم يرجع للميقات فقد ترك واجبًا من واجبات الإحرام وذهب جمهور أهل العلم إلى وجوب الدم عليه.