من اجتهد في القبلة فأخطأ

قد يحتاج المسلم للاجتهاد في معرفة القبلة لبعده عن المساجد أو قلة المسلمين ونحو ذلك، فما الحكم إذا كان اجتهاده خاطئًا؟

1- من صلى بغير اجتهاد أو سؤال ثقة ثم ظهر خطؤه:

فإن ظهر خطؤه وهو في الصلاة فعليه أن يقطع صلاته ويعيدها إلى جهة القبلة.

وكذلك إن ظهر له الخطأ بعد أداء الصلاة فإنه يعيدها إلى جهة القبلة الصحيحة؛ لأنه مفرط بترك الاجتهاد والسؤال (تبيين الحقائق 1/202 البيان والتحصيل 1/212 المجموع 1/204- الإنصاف 2/17).

قال ابن عبد البر: وأجمعوا أن من صلى من غير اجتهاد ولا طلب للقبلة ثم بان له أنه لم يستقبل جهتها في صلاته أن صلاته فاسدة، كمن صلى بغير طهارة يعيدها في الوقت وغيره. وفي هذا المعنى حكم من صلى إلى غير القبلة في مسجد يمكنه فيه طلب القبلة وعلمها ووجودها بالمحراب وشبهه ولم يفعل وصلى إلى غيرها (الاستذكار 2/455).

2- من اجتهد وبذل وسعه في معرفة القبلة ثم ظهر خطؤه فله حالتان:

1-  من ظهر خطؤه وهو في الصلاة:

• فذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والحنابلة وقول للشافعية إلى أنه يستدير ويبني على ما مضى في صلاته (رد المحتار 433 المجموع 3/225المبدع 1/365).

• وقال المالكية والشافعية يقطع صلاته ويعيدها لاتجاه القبلة (الشرح الكبير 1/227 مغني المحتاج 1/339).

والراجح هو رأي جمهور أهل العلم القائل بالاستدارة لجهة القبلة مع إتمام الصلاة؛ وذلك لأنه في أول صلاته قد أدى ما عليه واجتهد قدر وسعه فلا تثريب عليه فيه فلما ظهر له الصواب أتى بما عليه ويمكن الاستئناس  بحديث تغيير القبلة فقد قال ابن عمر رضي الله عنهما: بينا الناس في الصبح بقباء، إذ جاءهم رجل فقال: أنزل الليلة قرآن، فأمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها واستداروا كهيئتهم فتوجهوا إلى الكعبة وكان وجه الناس إلى الشام (البخاري 4493 مسلم 526) ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة. (انظر: بدائع الصنائع 1/119).

2-  من ظهر خطؤه بعد أداء الصلاة:

• فذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية وقول للشافعية إلى أنه قد أدى ما عليه وليس عليه إعادة (تبيين الحقائق 1/201 المجموع 3/225 الإنصاف 2/17).

• وقال المالكية يستحب له إعادتها في الوقت ولا تجب (الشرح الكبير 1/227).

• وفي الأظهر عند الشافعية: يجب قضاء الصلاة (مغني المحتاج 1/339).

والراجح أنه لا تلزمه الإعادة ولا تستحب في حقه؛ لأنه قد أدى الواجب عليه من الاجتهاد.

 ولأنه داخل في عموم قول الله تعالى {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه}.

قال ولي الله الدهلوي في معنى الآية : فهم منه أن استقبال القبلة فرض يحتمل السقوط عند العذر، فخرج حكم من تحرى في الليلة الظلماء، فاخطأ جهة القبلة، وصلى لغيرها، وحكم الراكب على الدابة يصلي النافلة خارج البلد (حجة الله البالغة 1/191).

قال ابن هبيرة: وأجمعوا على أنه إذا صلى إلى القبلة باجتهاد، ثم بان أنه أخطأ فإنه لا إعادة إلا في أحد قولي الشافعي الجديد: يعيد (اختلاف الأئمة العلماء 1/97-98).

ضابط الخطأ في القبلة:

ليس المراد بالقبلة الاتجاه الدقيق إلى الكعبة، وإنما التوجه إلى جهتها كما سبق. (انظر: الاجتهاد في معرفة القبلة).

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة: ما بين المشرق والمغرب قبلة (ابن ماجه 1011 الترمذي 344 وقال: هذا حديث حسن صحيح).

وذلك لأن المدينة شمال مكة المكرمة فتكون قبلة أهل المدينة جهة الجنوب، وما بين الشرق والغرب هي جهة الجنوب فلو مال المصلي جهة اليمين قليلاً أو جهة اليسار قليلاً فلا يؤثر ذلك على استقباله القبلة، ما دام لم ينحرف انحرافاً كاملاً لجهة أخرى كجهة الشرق والغرب، وذلك لمن قبلته في الجنوب وهكذا، وإن كان الأولى العناية بضبط القبلة قدر المستطاع.

قال ابن رجب بعد أن ذكر حديث (ما بين المشرق والمغرب قبلة): وروي هذا المعنى أيضا عن عثمان وعلي وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، ولا يعرف عن صحابي خلاف ذلك.

وكذلك قال إبراهيم وسعيد بن جبير: ما بين المشرق والمغرب قبلة..

وقال مجاهد فيمن مال عن القبلة: لا يضره؛ ما بين المشرق والمغرب قبلة.

وقال الحسن فيمن التفت في صلاته: إن استدبر القبلة بطلت صلاته، وإن التفت عن يمينه أو شماله مضت صلاته (فتح الباري لابن رجب 3/62-63).

 

تذكر

1. من صلى بغير اجتهاد وسؤال فأخطأ القبلة فعليه إعادة الصلاة إن كان قد أتمها وعليه قطع الصلاة ثم إعادتها إن علم بالخطأ وهو في الصلاة.

2. من اجتهد وبذل وسعه فأخطأ القبلة، فإن كان في الصلاة استدار نحو القبلة وأتم صلاته، وإن كان بعد الصلاة فلا إعادة عليه.