قصر الصلاة للمسافر

أجمع المسلمون على مشروعية قصر الصلاة الرباعية في السفر. (الإجماع لابن المنذر ص 41).

واختلفوا في حكم القصر للمسافر هل هو واجب أم مستحب:

• فذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن القصر مستحب غير واجب (حاشية الدسوقي 1/358, المجموع 4/337, المغني 2/197).

لكن المالكية قالوا: سنة مؤكدة.

وقال الشافعية والحنابلة: القصر أفضل, مع جواز الإتمام بلا كراهة. (المهذب 1/193,كشاف القناع 1/509-510).

وعن أحمد قال: لا يعجبني الإتمام، (الإنصاف 2/321).

واستدلوا على عدم الوجوب بما يلي:

1- قول الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}.

عن يعلى بن أمية، قال: قلت لعمر بن الخطاب: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فقد أمن الناس، فقال: عجبتُ مما عجبتَ منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: "صدقةٌ تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته" (مسلم 686). فقوله: (صدقة تصدق الله بها) يدل على أنه رخصة.

2- ثبوت الإتمام في السفر عن بعض الصحابة.

3- لاتفاق العلماء على أن المسافر إذا اقتدى بمقيم فإنه يتمّ، ولو كان القصر واجباً لما جاز له الإتمام، كما لا يجوز لمن يصلي الفجر أن يزيد فيها.

• وذهب الحنفية إلى أن فرض المسافر ركعتين لا غير (بدائع الصنائع 1/91).

واستدلوا على ذلك بأمور:

1- قالت عائشة رضي الله عنها: "فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر" (البخاري 1040، مسلم 685).

2- قال عمر: "صلاة الجمعة ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم" (النسائي 1420, ابن ماجه 1064).

3- لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتم الصلاة في سفر قط.

والراجح أن القصر سنة مؤكدة, أما الإتمام فمكروه لعدم ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ويحمل قول عائشة رضي الله عنها إلى اعتبار ما آلت إليه صلاة السفر، فقد شرع الله تخفيفها إلى ركعتين، فعادت كما كان فرض الصلاة أول الأمر.

أو كما قال النووي: "معناه: فرضت ركعتين لمن أراد الاقتصار عليهما، فزيد في صلاة الحضر ركعتان على سبيل التحتيم، وأقرت صلاة السفر على جواز الاقتصار" (شرح مسلم5/194).

ومما يدل على ذلك: أن عائشة رضي الله عنها القائلة لذلك كانت تتم في السفر، ولهذا استغرب الزهري من مخالفة فعلها لقولها كما في البخاري بعد رواية الأثر، "قال الزهري: فقلت لعروة: ما بال عائشة تتم؟ قال: تأولت ما تأول عثمان" (البخاري 1040).

وأما أثر عمر رضي الله عنه فضعيف لا يصح، ولو صحّ فهو محمولٌ على ما حمل عليه أثر عائشة رضي الله عن الجميع. (انظر: التمهيد16/295).

قال ابن تيمية: "الذي مضت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقصر في السفر فلا يصلي الرباعية في السفر إلا ركعتين، وكذلك الشيخان بعده أبو بكر ثم عمر, وما كان يجمع في السفر بين الصلاتين إلا أحيانًا عند الحاجة, لم يكن جمعه كقصره, بل القصر سنة راتبة والجمع رخصة عارضة, فمن نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ربع في السفر الظهر أو العصر أو العشاء فهذا غلط، فإن هذا لم ينقله عنه أحد لا بإسناد صحيح ولا ضعيف" (مجموع الفتاوى 22/290).

متى يجب على المسافر الإتمام؟

يجب الإتمام على المسافر في أحوال:

الحالة الأولى:

إذا اقتدى المسافر بمن يتمّ الصلاة، فيجب الإتمام باتفاق العلماء (التمهيد 16/311-312). إلا ما روي عن بعض التابعين أنه إن أدرك ركعتان من صلاة المقيم أجزأتاه (المغني 2/209).

دليل ذلك:

1- ما رواه موسى بن سلمة، قال: كنا مع ابن عباس بمكة، فقلت: إنا إذا كنا معكم صلينا أربعًا، وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين. قال: "تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم" (أحمد 1862, قال ابن الملقن: هذا الإسناد رجاله كلهم محتج بهم في الصحيح).

2- قول النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه" (البخاري 722, مسلم 414).

 

لكن ما القدر الذي إذا أدركه من صلاة المقيم وجب عليه الإتمام:

• ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى وجوب الإتمام إن أدرك أي جزء من الصلاة قبل سلام الإمام (مراقي الفلاح ص 164,المجموع 4/357, المغني 2/209).

• وذهب المالكية إلى أنه يجب الإتمام إن أدرك من صلاته ركعة فأكثر، ولا يجب الإتمام إن لم يدرك معه ركعة كاملة؛ بناء على مذهبهم في إدراك أداء الصلاة ووجوبها بإدراك ركعة. (التاج والإكليل 2/506،  حاشية الدسوقي 1 / 315).

والراجح ما ذهب إليه الجمهور في وجوب الإتمام على المسافر إذا أدرك أي جزء من أجزاء الصلاة مع الإمام المتم؛ لأنه بإدراكه لأي جزء منها قد ارتبطت صلاته بصلاة الإمام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه" (البخاري 722, مسلم 414).

فإن لم يعلم هل الإمام متم أم قاصر؟

يعمل المصلي بغالب الظن وقرائن الأحوال والأصل في مساجد المدن والقرى الإتمام، كما أن الأصل في مساجد المطارات وطرق السفر القصر.

ولكن إذا لم يمكن لك معرفة هل الإمام قاصر أو متم فقد اختلف أهل العلم في ذلك على أقوال:

1- فقال الحنفية: لا يصح الاقتداء في هذه الحالة؛ لأن العلم بحال الإمام شرط لأداء الجماعة. (البحر الرائق 2/146).

2- وقال المالكية: يجوز أن يدخل في الصلاة فيتابع الإمام في نيته, فإن كان الإمام مسافرًا أجزأته الصلاة, وإن كان مقيمًا فلابد من إتمام الصلاة (مواهب الجليل 1/517).

3- وقال الشافعية والحنابلة: يدخل مع الإمام ويلزمه الإتمام حتى لو بان له بعد ذلك أن الإمام مسافر؛ تغليباً لحكم الحضر. (مغني المحتاج 1/526, كشاف القناع 1/510).

وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم؛ رجوعًا للأصل والقاعدة في ذلك، وتغليبًا لجانب الاحتياط في الصلاة.

الحالة الثانية من حالات وجوب الإتمام على المسافر:

إذا صلى العشاء مع إمام يصلي المغرب:

لا ينبغي لمن أراد صلاة العشاء أن يدخل مع إمام يصلي المغرب لاختلاف الهيئتين كما هو مذهب جماهير أهل العلم.

 ولكنه إن دخل معه لزمه أن يتم العشاء سواء كان الإمام مسافراً أم مقيماً،  لأن من أباح اختلاف الهيئات في الصلاة بين الإمام والمأموم وهم الشافعية منعوا القصر .

قال النووي: "ولو نوى الظهر مقصورة خلف من يصلى العصر مقصورة جاز له القصر بلا خلاف (أي: في المذهب الشافعي) لأنه لم يقتد بمتم ولو نوى الظهر خلف من يصلي المغرب في الحضر أو السفر لم يجز القصر بلا خلاف ذكره البغوي وغيره" (المجموع 4/356).

الحالة الثالثة من حالات وجوب الإتمام:

من فاتته صلاة في الحضر فذكرها في سفره فيجب عليه أداؤها بدون قصر بإجماع أهل العلم.

قال ابن المنذر: "أجمعوا على أن من نسي صلاة في حضر فذكرها في السفر أن عليه صلاة الحضر" (الإجماع لابن المنذر ص 42).

قضاء الفائتة عند اختلاف الأحوال سفرًا وحضرًا:

كيف يؤدي المسافر ما وجب عليه من الصلوات قبل سفره؟

لا يخلو المسافر الذي وجبت عليه الصلاة من أحوال:

1- أن يسافر قبل خروج وقت الصلاة التي وجبت عليه في الحضر:

• فذهب جماهير العلماء على أن له القصر .

• وقال الحنابلة في الرواية المعتمدة : يجب الإتمام, وذكر المرداوي أن المسألة من مفردات المذهب (الإنصاف 2/322).

والراجح هو رأي جماهير أهل العلم، وقد حكى ابن المنذر الإجماع على ذلك.

 قال رحمه الله: "ذِكر المرء يسافر في آخر الوقت: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من خرج بعد الزوال مسافرًا أن يقصر الصلاة، وممن حفظنا عنه ذلك مالك بن أنس، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي" (الأوسط 4/354).

2- أن يسافر بعد خروج وقت الصلاة التي وجبت عليه في الحضر:

 يجب عليه الإتمام بلا خلاف.

قال ابن المنذر: "أجمعوا على أن من نسي صلاة في حضر فذكرها في السفر أن عليه صلاة الحضر" (الإجماع لابن المنذر ص 42).

كيف يصلي المقيم الذي فاتته صلاة في سفره؟

 اختلف أهل العلم في المقيم الذي فاتته صلاة في السفر هل يقصر أم يتم:

1- فذهب الحنفية والمالكية إلى أنه يجب أن يقضيها ركعتين كما وجبت عليه (البحر الرائق 2/148, التاج والإكليل 2/496).

2- والأحوط ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة إلى أنه يجب أن يقضيها أربعًا؛ احتياطًا وتغليبًا لجانب الحضَر، ولأنه بذلك قد أدَّى ما عليه عند جمهور أهل العلم القائلين بعدم وجوب القصر على المسافر (المجموع 4/367, الإنصاف 2/323).

تذكر

1. أجمع المسلمون على مشروعية قصر الصلاة الرباعية للمسافر.

2. قصر الصلاة الرباعية مستحب وليس بواجب على مذهب جمهور أهل العلم.

3. يجب إتمام الصلاة على المسافر إذا اقتدى بإمام مقيم وأدرك معه أي جزء من أجزاء الصلاة.

4. إذا لم يعلم هل الإمام متم أو قاصر يعمل بغالب الظن وقرائن الأحوال فإن لم يمكن معرفة ذلك أتم الصلاة احتياطاً.

5. لا ينبغي أن يصلي المسافر العشاء خلف من يصلي المغرب لاختلاف هيئة الصلاة، فإن فعل فيلزمه إتمام العشاء أربعًا.

6. من فاتته صلاة في الحضر فذكرها في السفر وجب عليه الإتمام إجماعاً.

7. من وجبت عليه الصلاة ثم سافر قبل خروج الوقت فله أن يقصر الصلاة على مذهب جمهور أهل العلم.

8. من فاتته صلاة في السفر ثم ذكرها في الحضر فيلزمه الإتمام احتياطاً وهو مذهب الشافعية والحنابلة.