زيارة ما قيل أنه موطن عذاب

سبق الحديث عن عدد من الأحكام المتعلقة بديار ثمود وهي حكم زيارتها، والوضوء من آبارها، والتيمم بترابها، والصلاة فيها.

فهل هذه الأحكام خاصة بديار ثمود أم أنها تعم كل مواطن العذاب؟

تدل النصوص على أن الحكم ليس خاصاً بديار ثمود من أوجه:

• قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم", فقوله: "مساكن الذين ظلموا" عامة تشمل ثمود وغيرهم, والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ثم كأنه نبه على العلة التي أوجبت الحكم على ديار ثمود, وهي أنهم ظلموا فعذبوا، فلا تدخلوا مساكنهم وأنتم غافلون حتى لا يصيبكم مثل ما أصابهم, فتشمل كل قوم ثبت فيهم العذاب.

قال ابن حجر: " قوله: (لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا) زاد في رواية الكشميهني: (أنفسهم), وهذا يتناول مساكن ثمود وغيرهم ممن هو كصفتهم، وإن كان السبب وردّ فيهم" (فتح الباري 6/380).

• فهم علي رضي الله عنه لما مر ببابل، فلم يصل بها؛ لأنها أصيبت بالخسف والعذاب، وقوله رضي الله عنه: "ما كنت لأصلي في أرض خسف الله بها ثلاث مرار " (البيهقي 4365).

وينبغي التأكيد هنا على أمور:

1- أن مواطن العذاب المقصودة هنا هي بلاد وآثار الأقوام الذين قص الله عذابهم في كتابه.

وليس كل مكان أصيب بزلزال أو غرق ترتبت عليه الأحكام, فقد يكون ذلك من العذاب, وقد يكون من التخويف والإنذار, وقد يكون من الابتلاء والتمحيص، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله" (البخاري 653).

وما زال أهل العلم يذكرون مواطن الآيات والنذر من الزلازل والفيضانات والبراكين وغيرها في مختلف بلاد المسلمين ويؤرخون لها، ويصفونها وصفاً دقيقاً، ولم يقل أحد بإلحاقها بديار ثمود، أو النهي عن زيارتها، أو السكنى فيها.

2- هذه الأحكام لا تثبت إلا إذا ثبت بالتحديد والأدلة أن هذا المكان هو الذي أصيب بالعذاب, ولا يكفي مجرد الأقوال والشائعات في إثبات الأحكام الشرعية.

3-  الأحكام المتعلقة بمواطن العذاب الأخرى هي كما يلي:

• هو حكم الزيارة وأنه على حالتين كما سبق (انظر: ص 198).

• حكم الصلاة فيها وأنها مكروهة لأثر علي رضي الله عنه.

• أما حكم استخدام الماء فلا يمكن المنع منه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منع من كل مياه المكان، بل منع من آبار وأرشدهم للاستفادة من بئر الناقة, وهي تقع في منطقة العذاب, فلا يشمل الحكم جميع المياه في أماكن العذاب.

• وأما حكم التيمم فإنه لم يُثبِت الدليل شيئاً فيه في ديار ثمود حتى نقيس عليها غيرها.