يعتبر البحر الميت اليوم من المقاصد السياحية المشهورة عالميًا لغرابة مائه وفوائده العلاجية، فما حكم زيارته؟
موقع سدوم قرية لوط عليه السلام:
عذب الله قوم لوط عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين بسبب تماديهم وطغيانهم وتجازهم كل الحدود الشرعية والطبيعية والفطرية.
وقد تواطأ كلام المفسرين والمؤرخين على أن لوطاً عليه السلام لما استأذن إبراهيم عليه السلام انتقل إلى سدوم وما حولها من القرى, وهي بالقرب مما يسمى اليوم البحر الميت، وكان يسميه كثير من المؤرخين (بحيرة لوط).
قال ابن كثير عن لوط عليه السلام: "فنزل بمدينة سدوم من أرض غور زغر, وكان أمَّ تلك المحلة, ولها أرض ومعتملات وقرى مضافة إليها" (البداية والنهاية 1/176), وقال: "وجعل الله مكان تلك البلاد بحيرة منتنة, لا ينتفع بمائها، ولا بما حولها من الأراضي المتاخمة لفنائها، لرداءتها ودناءتها، فصارت عبرة ومَثُلة وعظة وآية على قدرة الله تعالى وعظمته", وقال في وصفها: "وماؤها ملح أجاج" (البداية والنهاية (1/182-183، 178)).
وقد وافق ذلك ما في الكتب المقدسة في الإصحاح التاسع عشر من سفر التكوين، وهو ما يشير إليه عدد من القرائن التاريخية والجغرافية, فإنه يوجد جنوب البحر الميت اليوم جبل يقال له: سدوم.
قال ابن عاشور: "والقوم الذين أرسل إليهم لوطًا عليه السلام هم أهل قرية سدوم وعمورة من أرض كنعان، وربما أطلق اسم سدوم وعمورة على سكانها، وهم أسلاف الفينيقيين، وكانتا على شاطىء السديم، وهو بحر الملح، كما جاء في التّوراة وهو البحر الميّت المدعو بحيرة لوط " ( التحرير والتنوير 8-ب/230).
ومما يستأنس به في هذا السياق:
قوله تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ • وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُون} وقد كانت قريش تمر بسدوم والبحر الميت في طريقها للتجارة إلى الشام, فهي ظاهرة واضحة, ولهذا قال سبحانه في آية أخرى: {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيم}, قال قتادة: "نعم والله صباحا ومساء يطئونها وطْئًا، من أخذ من المدينة إلى الشام، أخذ على سدوم قرية قوم لوط" (الطبري21/105).
ومع أن غالب كلام أهل العلم أن قرية سدوم التي عذبها الله بقرب البحر الميت إلا أنه يصعب الجزم بتحديد بقعة بعينها على وجه القطع.
هل يقاس البحر الميت على ديار ثمود؟
هناك عدد من الفروق بين البحر الميت وديار ثمود منها:
1- أنه مع توافر القرائن على أن ديار سدوم هي بلاد قوم لوط قرب البحر الميت، إلا أن ذلك ليس قطعيًا لدينا, بخلاف ديار ثمود التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم وعلِمَها أصحابُه.
2- لم يثبت نهي خاص عن زيارة البحر الميت ولا أُثر عن أحد من الصحابة ذلك، مع أنه طريق سالك معروف بين الحجاز والشام, والله تعالى يقول فيه: }وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيم{, ولو كان في ذلك منع لروي عن الصحابة مثل ذلك.
3- أن البحر الميت منطقة كبيرة, وقرية سدوم يقال: إنها في جنوبه، وبقية القرى متفرقة من حولها, ولا تعلم أماكن تلك القرى على التحديد الدقيق، بخلاف ديار ثمود.
وعلى هذا فنقول:
ينبغي لزائر البحر الميت الاعتبار وتذكر قصة قوم لوط عليه السلام وعذاب الله لمن عصاه، والله عز وجل يقول بعد ذكر مرور الناس بها: {أَفَلَا تَعْقِلُون}, أي أفلا يدلكم عقلكم بعد رؤية مواطن عذابهم إلى الاعتبار بحالهم ومفارقة المعاصي، ولهذا قال بعد ذكر عذاب الله لقوم لوط والخسف بهم ورميهم بالسجيل {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيد}.
ولكن يجوز على الراجح زيارة البحر الميت مطلقاً، ولو بدون اعتبار؛ للفروق بين البحر الميت وديار ثمود كما سبق.
ومع هذا فيجب التأكيد أن على المسلم الابتعاد والحذر من مواطن العري والانحلال على الشواطئ وغيرها, فإن عدم الحرج من جهة كونه مكان عذاب ليس رفعًا له لإطلاق النظر إلى ما حرم الله، والتساهل في المعاصي الأخرى.
أملاح ومنتجات البحر الميت:
يجوز استخدام منتجات البحر الميت واستعمال مياهه للعلاج على الصحيح؛ لأنه لا يمكن قياسه على ديار ثمود للفروق السابقة بينهما.
وحتى لو قيل بقياسه على ديار ثمود، فلا يقال بمنع استعمال مياهه وترابه.
أما التراب فإنه لم يثبت منعٌ في تراب ديار ثمود كما سبق.
وأما المنع من استخدام المياه فلا بدَّ له من دليل خاص, بدليل إذن النبي صلى الله عليه وسلم في بئر الناقة مع أنه في موطن العذاب, فدلّ على أن مياه ديار المعذبين لا يحرم استعمالها مطلقًا (انظر: ص 208).
تذكر
1. أهلك الله قوم لوط, وقريتهم كما في كتب التاريخ هي سدوم وما حولها من القرى.
2. تتوافر القرائن على أن قرية سدوم قريبة من البحر الميت.
3. لا يمكن قياس البحر الميت على ديار ثمود على الراجح لوجود عدد من الفروق المؤثرة بينهما.
4. ينبغي لزائر البحر الميت الاعتبار والتفكر في قصة لوط عليه السلام مع قومه.
5. يجوز استخدام منتجات البحر الميت الطبية والتجميلية والصحية وغير ذلك.
6. يجب على المسلم الابتعاد عن مواطن العري والانحلال في الشواطئ وغيرها.