الكحول المستهلكة في الطعام والشراب

يشكل على كثير من الناس حكم الأطعمة أو الأشربة التي تحتوي على نسبة قليلة من الكحول هل هي من المحرمات أو المباحات؟

ولتوضيح الأمر يقال:

إن الله حرم الخمر وشدد في أمرها فلا يجوز حيازتها ولا تناول الكثير ولا القليل منها أو وضعه في شيء من المشروبات والمطعومات .

لكن مادة الكحول توجد في الخمر الخبيثة كما توجد في العديد من المأكولات والمشروبات بنسب قليلة لا تسكر كالذي يوجد في خميرة العجائن والمخبوزات ولا تخلو منه  العصائر الطبيعية بعد عصرها وتبريدها في العادة وكذلك الزبادي واللبن الرائب وغير ذلك.

وقد حدد لنا الشارع القاعدة لمعرفة الطيب من الخبيث في هذا الأمر بقوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر ما أسكر كثيره فقليله حرام ( رواه أبوداود3681) وحديث عائشة رضي الله عنها ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام (رواه الترمذي 1866)

فإذا وجد في المطعوم أو المشروب نسبة يسيرة من الكحول لا تؤدي إلى الإسكار مهما أكثر الإنسان منها فإنها لا تكون من المحرم بل من المعفو عنه وهذا ما يسميه الفقهاء بنظرية الاستهلاك.

ومعنى الاستهلاك : أن تختلط العين بغيرها بحيث تفقد صفاتها وخصائصها المقصودة فتكون كالهالكة وإن لم تذهب تماماً .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية الصواب في هذا أن الله حرم الخبائث التي هي الدم والميتة ولحم الخنزير ونحو ذلك، فإذا وقعت هذه في الماء أو غيره واستهلكت لم يبق هناك دم ولا ميتة ولا لحم خنزير أصلا، قال: كما أن الخمر إذا استهلكت في المائع لم يكن الشارب لها شاربا للخمر(الفتاوى الكبرى 1/242)

ومثل ذلك : ما إذا وضعت الكحول لإذابة بعض الزيوت العطرية ولا يبقى منها في المنتج إلا اليسير غير المؤثر ،أو حصلت بسبب التخمر الطبيعي ، أو وضعت الكحول قبل الطبخ وتبخرت بفعل النار والحرارة والطبخ.

فقد جاء عن أبي الدرداء في المري يجعل فيه الخمر ، قال : لا بأس به ، ذبحه الشمس والملح (مصنف ابن أبي شيبة 24059)

وبهذا يتبين أن الكحول إذا كانت مستهلكة في الغذاء أو الدواء بحيث إن الإنسان لو أكثر منها لم يسكر، فإنها حينئذ معفو عنها وضابط ذلك ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ما أسكر كثيره فقليله حرام فما دام لا يصل المتناول لهذا الشراب أو الطعام إلى الإسكار مهما أكثر منه فهو مباح .

ويستثنى من ذلك ما إذا وضع الخمر بذاته على بعض الحلويات والعصيرات و المطعومات باسمه، ويتم تسويقه على هذا الأساس، مثل أن  يقال هذا آيسكريم أو عصير أو حلوى مضاف عليها الوسكي أو البراندي أو غير ذلك من أنواع الخمور مستهدفين من يحب تلك الخمور ويقبل على شرائها لهذا السبب؛ فلا يجوز شراؤها ولا تناولاها وإن لم يسكرها قليلها وكثيرها، لأنه لا يوجد أي استحالة أو استهلاك فالخمر موجود بذاته وبخصائصه وبطعمه وبنكهته وبكحوله نسأل الله العافية السلامة.

 

والخلاصة:

  1. أن الخمر خبيثة لا يجوز حيازتها ولا وضعها قصداً في المطعومات والمشروبات.

  2. الكحول توجد في الخمر الخبيثة كما توجد بنسب قليلة في بعض المطعومات والمشروبات المباحة.

  3. حدد لنا الشرع الفارق بين الطيب والخبيث في هذا الباب بقوله ماأسكر كثيره فقليله حرام.

  4. إذا وجد في المشروبات والمطعومات نسبة يسيرة من الكحول لا تؤدي إلى السكر ولو أكثر منها الإنسان فإنها معفو عنها.

  5. لا يجوز تناول المطعومات والمشروبات التي وضعت فيها الخمور بأسمائها وبقيت فيها أوصافها وتسوق على هذا الأساس.

  6. إذا تبخرت الكحول بسبب الطبخ جاز تناول الطعام على الراجح من أقوال أهل العلم... والله أعلم