من أهم المسائل التي تعرض للداعية حينما يوفقه الله لهداية الناس وإدخالهم في الإسلام ونطقهم للشهادتين على يديه؛ مسألة الغسل للكافر إذا أسلم فهل يقال له: لما تغير داخلك وتطهر باطنك فيلزمك الاغتسال لتجمع طهارة الظاهر والباطن؟
وللإجابة على ذلك يقال: لا يخلو غير المسلم من حالين:
1. أن لا يكون على جنابة:
بمعنى أنه لم يصبه حدث أكبر من جماع أو إنزال مني أو حيض أو نفاس للمرأة منذ آخر مرة اغتسل فيها.
وقد اختلف أهل العلم في هذه الحالة على قولين:
1. فذهب الحنابلة إلى أنه يلزمه الغسل وجوبًا (الإنصاف 1/174)، وقد استدلوا بما يلي:
ما رواه قيس بن عاصم عن أبيه: أنه أسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر (رواه النسائي بإسناد صحيح 188).
• أمر النبي صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال رضي الله عنه عندما أسلم أن يغتسل (أحمد 8037).
والمشهور في الصحيحين (البخاري 450، مسلم 1764) أنه اغتسل بنفسه ثم أعلن إسلامه وليس فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم له بالغسل (انظر تلخيص الحبير 2/68، البدر المنير 4/336).
2. وذهــــــــب الجمهـــــــــــور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنه يستحب له الغسل ولا يجب (الدر المختار 1/167، مواهب الجليل 1/453، المجموع 2/152).
وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم، وتحمل الأحاديث السابقة على الاستحباب لا الوجوب، وذلك لأن العدد الكثير والجم الغفير قد أسلموا وليست حوادث متفرقة وقد دخل الناس في دين الله أفواجًا فلو أُمِرَ كل من أسلم بالغسل لنقل نقلًا متواترًا.
قال البغوي: والعمل على هذا عند أهل العلم: يستحبون للرجل إذا أسلم أن يغتسل ويغسل ثيابه، والأكثرون على أنه غير واجب إذا لم يكن لزمه غسل في حال الشرك، وذهب بعضهم إلى وجوب الاغتسال عليه بعد الإسلام (شرح السنة 2/172).
2. أن يكون على جنابة لم يغتسل منها: /h4>
• فذهب جماهير أهل العلم من أتباع المذاهب الأربعة في المشهور عنهم إلى وجوب الغسل عليه في هذه الحالة (البحر الرائق 1/68، التاج والإكليل 1/311، المجموع مع المهذب 2/152، كشاف القناع 1/145).
قال النووي رحمه الله: لأنه لا خلاف أنه يلزمه الوضوء، فلا فرق بين أن يبول ثم يسلم أو يجنب ثم يسلم، وأما الآية الكريمة والحديث فالمراد بهما غفران الذنوب، فقد أجمعوا على أن الذمي لو كان عليه دين أو قصاص لا يسقط بإسلامه (المجموع 2/152).
• وقال بعض الحنفية وآحاد من الشافعية والمالكية: لا يلزمه الغسل وإن كان جنبًا؛ لأن الإسلام يَجُبُّ ماقبله، ولأنهم غير مخاطبين بفروع الشريعة أثناء كفرهم (انظر: بدائع الصنائع 1/35، مواهب الجليل 1/435، المجموع2/ 152-153).
قال ابن نجيم رحمه الله: وقد اختلف المشايخ في الكافر إذا أسلم وهو جنب، فقيل: لا يجب لأنهم غير مخاطبين بالفروع ولم يوجد بعد الإسلام جنابة، وهو رواية (البحر الرائق 1/68).
ووجه هذا القول: أن الغسل كالوضوء عبادة تفتقر إلى النية فلا تصح من الكافر، ولهذا فلو بال ثم توضأ قبل أن يسلم ثم أسلم ما قبل منه وألزم بالوضوء قبل الصلاة اتفاقًا فكذلك الغسل وكلها عبادة ترفع الحدث.
فلا قيمة للغسل قبل إسلامه، وإنما لم نقل بلزوم الغسل على كل من أسلم سواء كان على جنابة أو لا كما هو مقتضى القياس على الوضوء لأن الأعداد الغفيرة من الناس كانوا يدخلون في دين الله أفواجًا ولم يعرف أمرهم به مع الحاجة إلى مثل ذلك، فيكون داخلًا فيما يسقط بالإسلام والتوبة.
ومع هذا فالقول بوجوب الغسل عليه في هذه الحالة كما هو مذهب الجماهير أحوط، والقولان لهما حظ من النظر.
أما قول الله تبارك وتعالى:( قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ)
وحديث الإسلام يهدم ما قبله (مسلم 121) فالمراد بهما غفران الذنوب.
فائدة :
اغتسال ثمامة بن أثال رضي الله عنه
عن أبي هريرة رضي الله عنه: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلًا قِبَل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي خير يا محمد، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت، فترك حتى كان الغد، ثم قال له: ما عندك يا ثمامة؟ قال: ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر، فتركه حتى كان بعد الغد، فقال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي ما قلت لك، فقال: أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل ثم دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، يا محمد، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب الدين إلي، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: صبوت، قال: لا، ولكن أسلمت مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا والله، لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة، حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم (البخاري مسلم 1764).
وقد جاء أمر النبي صلى الله عليه وسلم له بالغسل في رواية الإمام أحمد:
عن أبي هريرة أن ثمامة بن أثال -أو أثالة- أسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل (أحمد 8037).
وفي رواية: أن ثمامة بن أثال الحنفي أسلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينطلق به إلى حائط أبي طلحة فيغتسل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد حسن إسلام صاحبكم (أحمد 10268).
قال ابن الملقن: وأصل حديث ثمامة هذا في الصحيحين كما سلف في أواخر شروط الصلاة، لكن المذكور في روايتهما أنه اغتسل وليس فيها أمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك، وليس تركه فيها الأمر بالغسل معارضًا للأمر به على ماعرف من قبول الزيادة (البدر المنير 4/664).
تذكر :
-
يستحب للكافر إذا أسلم وليس عليه جنابة أن يغتسل لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة بذلك.
-
إذا أسلم الكافر وهو على جنابة لم يغتســـــل منها فيجب عليه الاغتسال احتياطًا.