قبول هدية الكافر

 لا شك أن من حسن العشرة والصحبة وكمال المزاملة والجيرة ما يحصل بين الناس من التهادي والإحسان المتبادل، ويشكل على البعض حكم ذلك إن كان الطرف الآخر كافراً، فيقع في نفسه أن إهداء الكافر وقبول الهدية منه يعد مخالفاً للولاء والبراء الذي هو أوثق عرى الإيمان. وليس الأمر كذلك وإليك تفصيل القول قي هدية الكافر.  

حكم قبول هديته:

يجوز قبول هدية الكافر سواء أكان كتابياً أو من أي ملة كانت تأليفاً وترغيباً له في الإسلام، كما قبل النبي صلى الله عليه وسلم هدايا بعض الكفار ، كهدية المقوقس وملك أيلة وغيرهم.

وقد بوب البخاري في صحيحه، كتاب الهبة فقال: باب قبول هدية المشركين ( 2/922) ومما فيه:

عن أبي حميد الساعدي قال: أهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه برداً وكتب إليه ببحرهم - يعني بلدهم.

عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أن أكيدر دومة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

عن أنس رضي الله عنه: أنّ يهودية أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة. 

عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها وهو عام في كل هدية.

هل ثبت نهي عن قبول الهديةمن المشرك؟

روي في هذا حديث عياض بن حمار: إني نهيت عن زبد المشركين. (رواه الترمذي 1577) لكنه متكلم في صحته ولو ثبت  فهو محمول على أن عدم قبول الهدية يكون في حق من يريد الموالاة والتودد لأمر سيء يضمره  أو  أنها منسوخة كما قال ابن حزم رحمه الله (المحلى 9/159) لثبوت قبول هدية الكافر في حوادث متعددة وأحاديث صحاح.

ما يهدونه في أعيادهم:

يجوز قبول هداياهم التي يهدونها بسبب عيدهم  ما لم تشتمل على محاذير أخرى، كذبح لغير الله أو خمر ونحو ذلك ويجازيهم بهدية مثلها أو أحسن في غير أعيادهم , وقد ثبت مثل ذلك عن كثير من الصحابة ومن ذلك:

سألت امرأة عائشة قالت: إن لنا أطياراً من المجوس، وإنه يكون لهم العيد فيهدون لنا فقالت: أما ما ذبح لذلك اليوم فلا تأكلوا ولكن كلوا من أشجارهم.

وعن أبي برزة رضي الله عنه: أنه كان له سكان مجوس، فكانوا يهدون له في النيروز والمهرجان فكان يقول لأهله: ما كان من فاكهة فكلوه، وما كان من غير ذلك فردوه. (الأثرين عند ابن أبي شيبة 24372)

فيجوز قبول هداياهم في العيد من التحف والفواكه والمأكولات غير الذبائح التي ذبحت للعيد، قال شيخ الإسلام بعد ذكر الآثار عن الصحابة: فهذا كله يدل على أنه لا تأثير للعيد في المنع من قبول هديتهم؛ بل حكمها في العيد وغيره سواء لأنه ليس في ذلك إعانة لهم على شعائر كفرهم.  (الاقتضاء 2/455 - 555)

 

 متى يحرم قبول هدية الكافر؟

يحرم قبول هدية الكافر إذا اعتراها مانع خارجي عنها وذلك في صور:

1. إن كانت الهدية ذبيحة كتابي ذبحت لأجل العيد أو جزءاً منها أو مطبوخاً بها فمع أن ذبائح الكتابي حلال علينا لكن الأحوط الامتناع عنها إن كانت مذبوحة لعيد لديهم لأنها تكون عادة مما أهل لغير الله به .

قال ابن تيمية: وإنما يجوز أن يؤكل من طعام أهل الكتاب في عيدهم بابتياع أو هدية أو غير ذلك مما لم يذبحوه للعيد فأما ذبائح المجوس فالحكم فيها معلوم فإنها حرام عند العامة. وأما ما ذبحه أهل الكتاب لأعيادهم، وما يتقربون بذبحه إلى غير الله نظير ما يذبح المسلمون هداياهم وضحاياهم متقربين بها إلى الله تعالى، وذلك مثل ما يذبحون للمسيح والزهرة فعن أحمد فيها روايتان : أشهرهما في نصوصه أنه لا يباح أكله. (اقتضاء الصراط المستقيم 1/250)

فذبائح الأعياد لا تقبل إن كانت من غير أهل الكتاب على الأصل بتحريمها، وذبائح الكتابي في العيد لا تقبل لما يخشى أن تكون مما أهل لغير الله به .

2. إن كانت الهدية حراماً علينا مطلقاً كأن يهدي قنينة خمر أو طعاماً من الخنزير أو لعبة قمار أو مجلة خليعة وغير ذلك فقد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم راوية الخمر لما أهديت إليه.

روى مسلم في صحيحه (1579) عن ابن عباس قال: إن رجلا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل علمت أن الله قد حرمها؟ قال: لا، فسارّ إنساناً. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بم ساررْته؟ فقال: أمرته ببيعها. فقال: إن الذي حرم شربها حرم بيعها. قال: ففتح المزادة حتى ذهب ما فيها.

أما إن كانت الهدية حراماً من وجه دون آخر؛  كأن يهدي حريراً أو ذهباً للرجال فيجوز قبولها ثم تباع أو تهدى لمن يجوز له استخدامها

روى مسلم (2071) في صحيحه عن علي ابن أبي طالب: أن أكيدر دومة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوب حرير فأعطاه علياً فقال: شققه خُمُراً بين الفواطم. والفواطم هن فاطمة بنت رسول الله وفاطمة بنت أسد وفاطمة بنت حمزة وقيل غير ذلك.

3. إن كانت شعاراً دينياً أوله طقوس دينية عندهم  كالصليب وبعض أنواع الشموع وغير ذلك للنهي العام عن التشبه بهم وهو قريب من سابقه.

 

1. يجوز قبول الهدية من الكافر أياً كانت ملته تأليفاً لقلبه كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2. لا بأس بقبول الهدية والحلوى والأطعمة المباحة من الكافر في عيده مالم تكن من ذبائح ذلك العيد.

3. يحرم قبول الهدية إن كانت من ذبيحة ذبحت لأجل عيدهم أو كانت محرمة علينا مطلقاً.

4. يجوز قبول الهدية إن كانت محرمة من وجه دون آخر كالذهب للرجال وتوضع فيما يباح لنا.

 

 

الرسم التوضيحي: