متى تجب الجمعة على المبتعث

 قد لا يوجد عدد كبير من المسلمين في بعض المدن والقرى ، وقد يكون الذهاب إلى الجامع متعذراً أو صعباً بسبب صعوبة الانتقال ودوام الدراسة أو الوظيفة فهل تلزمهم حينئذ صلاة الجمعة وهل تصح منهم مع قلة عددهم ؟

إذا وجد العدد  الذي تنعقد به الجمعة من المستوطنين -أي المقيمين دائماً في تلك البلاد- فقد وجبت الجمعة عليهم وعلى المقيمين معهم من المبتعثين ومن سافروا للعلاج أو التجارة ممن انقطع ترخصهم بالسفر.

أما إذا لم يوجد معهم من المستوطنين أهل البلد أقل عدد تقام به الجمعة فحينئذ يصلونها ظهراً.

فما هو العدد الذي تنعقد وتصح  به الجمعة؟

العدد الذي تقام به الجمعة:

اختلف أهل العلم في أقل عدد من أهل البلد المستوطنين يمكن به إقامة صلاة الجمعة على أقوال كثيرة أشهرها ما يلي:

1. أنها تنعقد بأربعين رجلاً وهو مذهب الشافعية ومشهور مذهب الحنابلة.

ودليلهم : 

عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم لأسعد بن زرارة فقلت له: إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد بن زرارة، قال : لأنه أول من جمّع بنا في هزم النّبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له: نقيع الخضمات، قلت: كم أنتم يومئذ ؟ قال : أربعون. (رواه أبو داود 1069)

 

وجه الدلالة أن أول صلاتهم الجمعة كان وعددهم أربعون  فدل على أن ذلك هو أقل عدد تصح به الجمعة

2. أنها تنعقد باثني عشر رجلاً وهو مذهب  المالكية.

دليلهم:

 عن جابر رضي الله عنه قال: بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت عير تحمل طعاماً فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلاً فنزلت الآية {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًاَ}. (رواه البخاري 2/349 )

وجه الدلالة: أنه أقل عدد ثبت لدينا إقامة الجمعة بوجوده فقد استمر صلى الله عليه وسلم وليس معه إلا اثنا عشر رجلاً، وما يشترط للابتداء يشترط للاستدامة. 

3. أنها تنعقد بثلاثة رجال وهو رواية عند الحنابلة ، وقول أبي يوسف من الحنفية، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.

دليلهم :

عن أبي الدرداء رضي اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه يقول: ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية. (أبو داود 547)

والصلاة لفظة عامة تشمل الجماعة والجمعة.

 

قال اللَّه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ..}  الآية.

وصيغة الجمع في قوله {فَاسْعَوْا} يدخل فيها الثلاثة، فيكون الثلاثة مأمورون بالسعي إلى صلاة الجمعة وهذا يدل على أنها تنعقد بهم. وإنما قلنا ثلاثة ولم نقل اثنين حتى يتقدم الإمام عليهما ، وفي الجماعة معنى الاجتماع، وذلك لا يتحقق إلا باثنين من الحضور على الأقل.

أما حديث كعب ابن مالك فقد حصل ذلك الرقم اتفاقاً وليس في الأثر أنهم أمروا أن لا يقيموا الجمعة إلا باكتمالهم أربعين رجلاً.

وأما حديث جابر فقد بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلاً وهو من باب الإخبار بالواقعة وليس فيه أنهم لو قلوا عن هذا العدد لما انعقدت بهم الجمعة.

فالراجح أن الجمعة تنعقد وتجب بوجود ثلاثة فأكثر من أهل البلد.

 فإن لم يوجد بها ثلاثة من أهل البلد بل كانوا جميعاً من المقيمين المبتعثين فإنهم يصلونها عندئذ ظهراً.

وقد أفتت بذلك اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية من كان مقيماً مثلكم إقامة تمنع قصر الصلاة في السفر فعليه إقامة صلاة الجمعة على الصحيح من أقوال العلماء، ولا يشترط لوجوبها ولا لصحتها أن يكون العدد أربعين رجلاً، بل يكفي أن يكونوا ثلاثة فأكثر، من الرجال المستوطنين، على الصحيح أيضاً من أقوال العلماء؛ لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏‏{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}، وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين» رواه مسلم‏.‏ وغير المستوطنين من المقيمين إقامة تمنع القصر تلزمهم الجمعة تبعاً لغيرهم من المستوطنين‏. (فتاوى اللجنة الدائمة 2/211)

التوازن في حياة المسلم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ  • فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }.
هذا مثال على التوازن والتكامل في ديننا الحنيف، فإذا نودي للصلاة فاخلع من قلبك شواغل الحياة وجواذب الأرض ليخلو بربه ويأنس بذكره وتمتلئ بالإيمان جوانبه.
فإذا قضيت الصلاة فانطلق إلى حياتك كادحاً ومنتجاً ومتعلماً ومبدعاً بنشاط لا يعرف الكسل ودأب لا يعرف الملل وابتغ من فضل الله وكن على صلة به دائم الذكر له بلسانك وقلبك.
فلا تصلح حياة المسلم كما يريدها الإسلام إلا بالتوازن بين مقتضيات الحياة وكدها وعملها ومتطلبات الروح وتنقيتها وتربيتها، وبين هذا وذاك يتعبد المسلم لربه بصلاته كما يتقرب له بتعلمه وتجارته.
  
  1. يجب على المسلم الذهاب إلى الجامع في البلد وإن كان بعيداً عن منزله
  2. إذا لم يوجد من المسلمين في المدينة أو القرية إلا القليل فتنعقد الجمعة وتلزم إقامتها إذا وجد ثلاثة من المسلمين مستوطنين في بلد واحد .
  3. ليس من أعذار التخلف عن صلاة الجمعة الدراسة أو الوظيفة فهي لا تتكرر إلا مرة في الأسبوع.
  4. إذا لم يجد المبتعثون في قريتهم ثلاثة من أهل البلد المستوطنين فلا يصلون الجمعة ولكن يصلونها ظهراً. 

 

الرسم التوضيحي: