الائتمام بالمبتدع

لا يخلو الإمام المتهم بالابتداع من أن يكون:

1. مستور الحال وهو الذي لا يشتهر عنه القول ببدعة  ولا نعرف عنه التمسك بالسنة.

وقد أجمع أهل العلم على الصلاة خلفه ، ويخطئ كثير من الناس في هذا الباب فيتحرج من الصلاة مع الإمام حتى يعلم عقيدته، أو يظن أن الأئمة من بلد معين الأصل فيهم الابتداع، وذلك مخالف لما عليه سلف الأمة وأئمتها.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن أصول أهل السنة والجماعة أنهم يصلون الجمع والأعياد والجماعات ولا يدعون الجمعة والجماعة كما فعل أهل البدع من الرافضة وغيرهم، فإن كان الإمام مستوراً لم يظهر منه بدعة ولا فجور صلى خلفه الجمعة والجماعة باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين، ولم يقل أحد من الأئمة: أنه لا تجوز الصلاة إلا خلف من علم باطن أمره، بل ما زال المسلمون من بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم يصلون خلف المسلم المستور. (الفتاوى 3/280)

2. الإمام المبتدع المعروف ببدعته غير المخرجة من الملة إذا لم يوجد غيره كأن يكون إمام الجُمَع والأعياد.

وهذا يصلى خلفه باتفاق أئمة أهل السنة كما فعل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح.

وقد بوب الإمام البخاري رحمه الله قال: باب إمامة المفتون والمبتدع. وَعَلَّقَ قول الحسن: صلِّ وعليه بدْعَتُهُ، وأورد حديث عبيدالله بن عدي بن خيار: أنه دخل على عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو محصور فقال: إنك إمام عامة، ونزل بك ما نرى، ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج؟! فقال: الصلاة أحسنُ ما يَعْمَلُ الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم. (662)

 

قال ابن حجر رحمه الله:قوله (فإذا أحسن الناس فأحسن) ظاهره أنه رَخَّصَ له في الصلاة معهم، وكأنه يقول: لا يضرك كونه مفتوناً، بل إذا أحسن فوافقه على إحسانه، واترك ما افْتُتِنَ به، وهو المطابق لسياق الباب. (2/222)

قال ابن تيمية:وأما إذا لم يمكن الصلاة إلا خلف المبتدع أو الفاجر، كالجمعة التي إمامها مبتدع أو فاجر، وليس هناك جمعة أخرى فهذه تُصَلىَّ خلف المبتدع والفاجر عند عامة أهل السنة والجماعة. وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة أهل السنة بلا خلاف عندهم. (الفتاوى3/280)

3. الصلاة خلف المبتدع بدعة غير مخرجة من الملة مع وجود غيره من أهل السنة فالصلاة خلف المبتدع صحيحة وإن كان الأولى الائتمام بالموافق للسنة.

قال شيخ الإسلام: ولكن إذا ظهر من المصلي بدعة أو فجور وأمكن الصلاة خلف من يُعْلَمُ أنه مبتدع أو فاسق مع إمكان الصلاة خلف غيره، فأكثر أهل العلم يصححون صلاة المأموم، وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة رحمهما الله وهو أحد القولين في مذهب مالك وأحمد رحمهما الله الفتاوى 3/280

4. الصلاة خلف القائل بالبدع المكفرة كغلاة الروافض والجهمية ونحوهم وهذا لا تجوز الصلاة خلفه اتفاقاً، قال الإمام البخاري رحمه الله: ما أبالي صليت خلف الجهمي والرافضي، أم صليت خلف اليهود والنصارى. (خلق أفعال العباد 125)

ثم إن هؤلاء ليسوا أهلاً للضمان والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: المؤذن مؤتمن والإمام ضامن. (أبو داود 517)

قال العيني: أصل الضمان: الرعاية والحفظ؛ لأنه يحفظ على القوم صلاتهم، وقيل: لأنه يتحمل القراءة عنهم، ويتحمل القيامَ إذا أدركه راكعًا، وقيل: صلاة المقتدين به في عهدته، وصحتها مقرونة بصحة صلاته؛ فهو كالمتكفل لهم صحة صلاتهم. (شرح أبي داود للعيني 2/468)

فتنة التكفير

 قال ابن تيمية: ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله، ولا بخطأ أخطأ فيه، كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة، فإن الله تعالى قال: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}. وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى أجاب هذا الدعاء وغفر للمؤمنين خطأهم.

والخوارج المارقون الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين رضي الله عنه، واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولم يكفرهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وغيرهما من الصحابة، بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم، ولم يقاتلهم علي حتى سفكوا الدم الحرام، وأغاروا على أموال المسلمين، فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم، لا لأنهم كفار. ولهذا لم يَسْبِ حريمهم، ولم يغنم أموالهم.

وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص والإجماع لم يكفروا مع أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بقتالهم، فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هم أعلم منهم؟ فلا يحل لأحد من هذه الطوائف أن تكفر الأخرى، ولا تستحل دمها ومالها، وإن كانت فيها بدعة محققة، فكيف إذا كانت المكفرة لها مبتدعة أيضاً؟ وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ، والغالب أنهم جميعاً جهال بحقائق ما يختلفون فيه.

والأصل أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم على بعض، لا تحل إلا بإذن الله ورسوله، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما خطبهم في حجة الوداع: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، وفي شهركم هذا وقال صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، وقال صلى الله عليه وسلم: من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ذمة الله ورسوله، وقال صلى الله عليه وسلم: إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار قيل يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه أراد أن يقتل صاحبه وقال صلى الله عليه وسلم: لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض وقال صلى الله عليه وسلم: إذا قال المسلم لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما وهذه الأحاديث كلها في الصحاح. (الفتاوى 3/282)

 

  1.  تصح الصلاة خلف مستور الحال إجماعاً ولا يلزم معرفة باطن عقيدته .

  2. تصح الصلاة خلف المبتدع بدعة غير مكفرة باتفاق أهل العلم إذا لم يوجد إمام غيره.

  3. على المسلمين اختيار الإمام الأعلم والأقرب لسنة النبي صلى الله عليه وسلما هدياً واعتقاداً. 

  4. تصح الصلاة خلف المبتدع بدعة غير مكفرة مع وجود إمام غيره على الصحيح وإن كان الأولى الصلاة خلف المتبع للسنة.

  5. لا تجوز الصلاة خلف القائل ببدعة مكفرة كالروافض وغلاة الجهمية .

 

الرسم التوضيحي: