حكم صلاة الجمعة للمسافر

يحتار كثير من السياح في حكم صلاة الجمعة عليهم وهل يلزمهم أداؤها مع أهل البلد أو لا؟ ولتوضيح ذلك يقال:

قال ابن عبد البر: "أجمع علماء الأمة أن الجمعة فريضة على كل حر بالغ ذكر يدركه زوال الشمس في مصر من الأمصار وهو من أهل المصر غير مسافر" (الاستذكار 2/56).

أحوال المسافر مع صلاة الجمعة:

الإنسان على ثلاثة أحوال من حيث السفر عند المذاهب الأربعة:

1- مسافر: وهو من ينتقل ويجد به السفر وليس مقيمًا ولا نازلاً ببلد معين، أوأقام ببلد إقامة لا تقطع عنه أحكام الترخص بالسفر؛ كقصر الصلاة ونحوها، وقد اختلف أهل العلم في تحديد قدر الإقامة التي لا تقطع أحكام الترخص على أقوال(انظر: متى ينقطع الترخص بالسفر؟) وما عليه جمهور أهل العلم أنه إن نوى إقامة أربعة أيام فأكثر صار مقيماً وألحق بالقسم الثاني.

2- مقيم: هو من أقام ببلد فترة تنقطع فيها أحكام السفر، ولكنه ينوي الرجوع إلى أهله ولا ينوي جعل هذا البلد وطناً له.

3- مستوطن: وهو من يسكن بلداً ونيته البقاء فيها كوطن دائم له، سواء كان من أهلها أصالة، أو من القادمين إليها.

المسافر:

أجمع أهل العلم على أن الجمعة لا تجب إقامتها على المسافرين.

قال ابن هبيرة: "واتفقوا على أن الجمعة لا تجب على صبي ولا عبد ولا مسافر ولا امرأة، إلا رواية عن أحمد في العبد خاصة" (اختلاف العلماء 1/152).

وقال ابن عبد البر: "وأما قوله: (ليس على مسافر جمعة) فإجماع لا خلاف فيه" (الاستذكار 2/36).

وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سافر مراراً، ولم ينقل عنه ولو مرة واحدة أنه صلى الجمعة.

قال ابن المنذر: "ومما يحتج به في إسقاط الجمعة عن المسافر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مرّ به في أسفاره جُمَعٌ لا محالة، فلم يبلغنا أنه جَمَّع وهو مسافر، بل قد ثبت عنه أنه صلى الظهر بعرفة وكان يوم الجمعة، فدلّ ذلك من فعله على أن لا جمعة على المسافر؛ لأنه المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد بكتابه، فسقطت الجمعة عن المسافر استدلالاً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم" (الأوسط 4/20).

واختلفوا في صحتها من المسافرين إذا صلوها بأنفسهم وليس معهم غيرهم من أهل البلاد، وجمهور أهل العلم على عدم انعقادها وصحتها.

ولكن هل تجب عليهم الجمعة إذا سمعوا النداء تبعاً لغيرهم؟

1- ذهب جماهير أهل العلم من أتباع المذاهب الأربعة أنها لا تجب عليهم ولو سمعوا النداء؛ لأنهم غير مخاطبين به, وحكى بعضهم الإجماع عليه (انظر: البحر الرائق 2/151, الشرح الصغير 1/494, المجموع 4/485, مطالب أولي النهى 1/758).

2- وذهب الظاهرية إلى وجوب الجمعة على من سمع النداء ولو كان مسافراً، ويروى عن الأوزاعي والزهري (المحلى 3/252).

أدلتهم:

1- عموم قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّه}, ولا يخرج منه المسافر إلا بدليل.

يجاب عليه أن الدليل على إخراج المسافر هو الإجماع على أن لا جمعة عليه, والدليل الثابت من استقراء سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره من عدم إقامته للجمعة.

2- بعض الآثار المحتملة:

• عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنهم كتبوا إلى عمر، يسألونه عن الجمعة، فكتب: "جمّعوا حيث كنتم" (ابن أبي شيبة 5068).

   وهذا يحمله الجمهور (غير الحنفية) على القرى, وهو فهم السلف له، فقد بوّب ابن أبي شيبة للأثر: من كان يرى الجمعة في القرى وغيرها، وقد روي أن الذين سألوه كانوا في البحرين.

• سئل سعيد بن المسيب: على من تجب الجمعة؟ فقال: "على من سمع النداء" (ابن أبي شيبة 5075).

وهذا يحمل على المسافة التي تجب فيها الجمعة, وبوب ابن أبي شيبة: من كم تؤتى الجمعة؟.

والراجح أنه لا يجب على المسافرحضور الجمعة حتى ولو سمع النداء، ولكن الأفضل والأكمل في حقه حضورها كما هو مذهب جماهير أهل العلم.

ومما يستدل به على ذلك:

1- أن هذا مسافر، والمسافر لا جمعة عليه بالإجماع.

2- ما روي عن الصحابة والتابعين أنهم كانوا يقيمون في سفرهم فلا يجمّعون, ومنه ما روي عن الحسن: "أن عبد الرحمن بن سمرة شتّى بكابل شتوة أو شتوتين، لا يجمِّع ويصلي ركعتين", وعنه: "أن أنس بن مالك، أقام بنيسابور سنة أو سنتين، فكان يصلي ركعتين ثم يسلم، ولا يجمع", وعن إبراهيم قال: "كان أصحابنا يغزون فيقيمون السنة، أو نحو ذلك، يقصرون الصلاة، ولا يجمعِّون" (ابن أبي شيبة 5099-5101). وهي آثار محتملة لسماعهم للنداء.

3- عدم وجود نص خاص على وجوبها على المسافر, فيبقى على الحكم الأصلي للمسافر وهو عدم الوجوب.

4- الاستدلال باستقراء سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأحواله.

قال ابن المنذر: "ومما يحتج به في إسقاط الجمعة عن المسافر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مر به في أسفاره جمع لا محالة، فلم يبلغنا أنه جمع وهو مسافر، بل قد ثبت عنه أنه صلى الظهر بعرفة وكان يوم الجمعة، فدل ذلك من فعله على أن لا جمعة على المسافر؛ لأنه المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد بكتابه، فسقطت الجمعة عن المسافر استدلالاً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كالإجماع من أهل العلم".

ثم ناقش رحمه الله ما روي عن السلف مما يخالف ذلك فقال: "لأن الزهري مختلف عنه في هذا الباب، وحكى الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري أنه قال: لا جمعة على المسافر، وإن سمع المسافر أذان الجمعة وهو في بلد جمعة فليحضر معهم. قال أبو بكر: وقوله (فليحضر معهم) يحتمل أن يكون أراد استحبابًا، ولو أراد غير ذلك كان قولاً شاذًا خلاف قول أهل العلم، وخلاف ما دلت عليه السنة" (الأوسط 4/20).

ولكن هل تجزئهم عن الظهر إذا صلوها مع أهل بلد يصلون الجمعة؟

تجزئهم وتصح منهم إذا صلوها مع أهل بلد أو قرية يصلون الجمعة إجماعاً.

قال ابن قدامة: "(وإن حضروها أجزأتهم) يعني تجزئهم الجمعة عن الظهر، ولا نعلم في هذا خلافا" (المغني 2/253).

وقال الخطيب الشربيني الشافعي: "صحت جمعته بالإجماع؛ لأنها إذا أجزأت عن الكاملين الذين لا عذر لهم، فأصحاب العذر بطريق الأولى، وإنما سقطت عنهم رفقًا بهم، فأشبه ما لو تكلف المريض القيام" (مغني المحتاج 1/537).

 المقيم غير المستوطن:

وهو من أقام ببلد فترة تنقطع فيها أحكام السفر، ولكنه ينوي الرجوع إلى أهله،ولا ينوي جعل هذا البلد وطناً له,كمن يمكث سياحة في مدينة واحدة فترة طويلة من الزمن تزيد عن أربعة أيام (انظر: الإقامة التي تقطع رخص السفر).

وقد اختلف أهل العلم في وجوبها في هذه الحالة على قولين،والمعتمد في المذاهب الأربعة وجوب الجمعة عليه،ولزوم إجابة نداء الجمعة على النحو التالي:

 الحنفية: تجب عليه الجمعة, وتنعقد به (أي يكمل العدد الواجب لصلاة الجمعة). (البحر الرائق 2/151-164, الدر المختار 2/162).

• الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة): تجب عليه بغيره لا بنفسه, أي: تجب تبعًا لا استقلالاً, فتجب عليه إن كمل العدد الذي تجب عليه الجمعة من المستوطنين, فلا يكون هو المكمل لهم؛ لأنه لا تنعقد به (شرح الخرشي 2/81, المجموع 4/503, كشاف القناع 2/23).

قال ابن قدامة: "إذا أجمع المسافر إقامة تمنع القصر، ولم يرد استيطان البلد كطلب العلم، أو الرباط، أو التاجر الذي يقيم لبيع متاعه، أو مشتري شيء لا ينجز إلا في مدة طويلة، ففيه وجهان: أحدهما، تلزمه الجمعة؛ لعموم الآية، ودلالة الأخبار التي رويناها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أوجبها إلا على الخمسة الذين استثناهم، وليس هذا منهم.

والثاني: لا تجب عليه؛ لأنه ليس بمستوطن، والاستيطان من شرط الوجوب، ولأنه لم ينو الإقامة في هذا البلد على الدوام، فأشبه أهل القرية الذين يسكنونها صيفًا ويظعنون عنها شتاء، ولأنهم كانوا يقيمون السنة والسنتين لا يجمعون ولا يشرقون، أي لا يصلون جمعة ولا عيدًا. فإن قلنا: تجب الجمعة عليه فالظاهر أنها لا تنعقد به" (المغني 2/252).

هل يؤم المسافر في صلاة الجمعة:

كثيراً ما يطلب من أهل الفضل والعلم من المسافرين الزائرين لبلد ما أن يؤموا الناس في صلاة الجمعة, فما حكم ذلك؟

اختلف أهل العلم في ذلك, ويمكن تقسيمهم إلى أحوال:

1- المسافر الذي يقصر الصلاة:

• وقد ذهب الحنفية والشافعية إلى صحة إمامته (رد المحتار 2/155, المجموع 4/250).

• وذهب المالكية والحنابلة إلى عدم صحتها.(حاشية الدسوقي 1/377, المغني 2/253).

2- المقيم وهو المسافر الذي سيبقى أربعة أيام فأكثر:

• وذهب جمهور أهل العلم إلى صحة إمامته (رد المحتار 2/155,حاشية الدسوقي 1/377، المجموع 4/250).

• وقال الحنابلة لا تصح إمامته لعدم الاستيطان, ولئلا يصير التابع متبوعًا؛ لأنه إنما وجبت عليه تبعا لغيره. (كشاف القناع 2/23, المغني 2/253).

والراجح صحة إمامته في الجمعة سواء كان مسافراً أو مقيماً - ولو كانت الجمعة غير واجبة عليه – فيصح إمامة المتنفل بالمفترض، كما ثبت ذلك في قصة معاذ رضي الله عنه.

 وينبه إلى اشتراط أن يتم العدد في الجمعة بغير الإمام المسافر أو المقيم؛ لأن الجمعة لا تنعقد به (وانظر: مغني المحتاج 1/548)، وأقل عدد لإقامة الجمعة على الراجح من أقوال أهل العلم ثلاثة (انظر:دليل المبتعث الفقهي ص 99).

 

تذكر

1. لا تجب الجمعة على المسافر (وهو من ينتقل, أو يمكث في بلد أقل من أربعة أيام) ولو سمع النداء والأفضل حضورها مع المسلمين، وتجزئه إذا حضرها عن صلاة الظهر.

2. لا يجب على المقيمين ببلد (وهم من ينون المكث ببلد أربعة أيام فأكثر)أن يقيموا صلاة الجمعة بأنفسهم, ولكن يلزمهم إجابة النداء وحضور الصلاة مع أهل البلد.

3. يجب على المستوطنين ببلد إقامة الجمعة بأنفسهم إذا كانوا ثلاثة فأكثر.

4. اختلف أهل العلم في صحة إمامة المسافر والمقيم في صلاة الجمعة، والراجح أنها تصح.