جمع الصلاة للمسافر

من رحمة الله بالمسافر أن شرع له جمع الصلاة تخفيفاً منه وفضلاً،  وذلك لأن المسافر تعتريه من الظروف والأحوال والصوارف ما يصعب معه أداء كل صلاة في وقتها.

وقد أجمع العلماء على مشروعية الجمع بين الظهر والعصر يوم عرفة جمع تقديم، وكذلك الجمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة ليلة النحر بعد الغروب (الإجماع لابن المنذر ص 38,مراتب الإجماع ص 45).

قال ابن المنذر: "وقد أجمع أهل العلم على القول ببعض هذه الأخبار واختلفوا في القول بسائرها, فما أجمع أهل العلم على القول به وتوارثته الأئمة قرنًا عن قرن، وتبعهم الناس عليه منذ زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذا الوقت: الجمع بين الظهر والعصر بعرفة يوم عرفة، وبين المغرب والعشاء بجمع في ليلة النحر. واختلفوا في الجمع بين الصلاتين في سائر الأسفار" (الأوسط 2/421).

حكم جمع الصلوات:

اختلف أهل العلم في حكم الجمع بين الصلاتين بسبب السفر:

 1- فذهب جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة: إلى جواز الجمع بين الظهر والعصر, والجمع بين المغرب والعشاء في السفر (الشرح الكبير 1/368, مغني المحتاج 1/529, كشاف القناع 2/5).

2- وقال الحنفية: لا جمع بين فرضين في وقت. ولا يجوز إلا الجمع الصوري بتأخير الظهر إلى آخر وقتها, ثم أداء صلاة العصر في أول وقتها,ما عدا الجمع بعرفة ومزدلفة (الدر المختار وحاشية ابن عابدين 1/381).

والصحيح ما ذهب إليه الجمهور لتوافر الأدلة على ذلك ومن ذلك:

 1- جواز الجمع يوم عرفة وليلة مزدلفة بالإجماع ,وثبوت ذلك قطعياً عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر الطويل وغيره (انظر: مسلم 1218).

2- الأحاديث المتكاثرة على جمعه صلى الله عليه وسلم في أسفاره المختلفة2 ومنها:

• حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين المغرب والعشاء إذا جدّ به السير" (البخاري 1055,مسلم 703).

• وعن سعيد بن جبير قال: حدثنا ابن عباس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاة في سفرة سافرها في غزوة تبوك، فجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء". قال سعيد: فقلت لابن عباس: ما حمله على ذلك، قال: أراد أن لا يحرج أمته (مسلم 705).

وجمع الصلوات من يسر الإسلام وسماحته، ولا وجه لرد أحاديث الجمع بسبب الأدلة الواردة في وجوب أداء الصلاة في وقتها؛ لأن الجمع في السفر ثبت على خلاف الأصل، ثم إن الوقتين يصيران وقتاً واحداً لأداء الصلوات.

الجمع رخصة لا سنة:

قال ابن القيم: "الجمع ليس سنة راتبة كما يعتقد أكثر المسافرين أن سنة السفر الجمع سواء وجد عذر أو لم يوجد، بل الجمع رخصة، والقصر سنة راتبة، فسنة المسافر قصر الرباعية سواء كان له عذر أو لم يكن، وأما جمعه بين الصلاتين فحاجة ورخصة، فهذا لون وهذا لون" (الوابل الصيب ص 14).

ولهذا فقد ذهب المالكية إلى أنه خلاف الأولى, إذ الأولى إيقاع كل صلاة في وقتها, والأفضل تركه وإن لم يكره, ويعبر عنه ب (الجواز غير مستوي الطرفين). (منح الجليل 1/416, شرح الخرشي 2/67).

وذهب الحنابلة إلى أنه ليس بمستحب, بل تركه أفضل (الإنصاف 2/334).

هل تشترط نية الجمع:

هل يلزم للجمع وجود نية الجمع عند أداء الصلاة الأولى؟

اختلف أهل العلم في ذلك:

• فذهب الشافعية والحنابلة إلى اشتراط نية الجمع عند الصلاة الأولى في جمع التقديم, ولا تشترط النية عند الثانية.

فإذا قضى الصلاة الأولى وهو لم ينو لم يصح الجمع, وعليه تأخير الصلاة الثانية إلى وقتها (روضة الطالبين 1/396, كشاف القناع 2/8).

وذلك لأن الصلاة الثانية قد تفعل في وقت الأولى جمعًا، وقد تفعل سهوًا، فلابد من نية تميزها (المجموع 4/374).

• وذهب المالكية إلى أن النية عند الصلاة الأولى (تقديمًا كان الجمع أو تأخيرًا) واجبة لا شرط, فلو تركت فلا تبطل الصلاة (حاشية العدوي 1/335).

• وذهب الإمام أحمد في رواية عنه وهو قول المزني وابن تيمية إلى عدم اشتراط نية الجمع (المهذب 1/197, الإنصاف 2/341).

قال ابن تيمية: "والنبي صلى الله عليه وسلم لما كان يصلي بأصحابه جمعًا وقصرًا لم يكن يأمر أحدًا منهم بنية الجمع والقصر، بل خرج من المدينة إلى مكة يصلي ركعتين من غير جمع، ثم صلى بهم الظهر بعرفة ولم يعلمهم أنه يريد أن يصلي العصر بعدها، ثم صلى بهم العصر ولم يكونوا نووا الجمع"  (مجموع الفتاوى 24/50) وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم، فلا دليل على اشتراط نية الجمع في الصلاة الأولى، بل الأدلة دالة على خلافه.

سعة وقت الجمع:

الجمع شرع رخصةً وتيسرًا على المسلمين, فيجوز الجمع من أول وقت الأولى إلى نهاية وقت الثانية.

قال ابن تيمية: "مواقيت الصلاة خمسة في حال الاختيار وثلاثة في حال العذر والضرورة, بدليل قوله تعالى: }وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ{ وقوله سبحانه: }أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ{, وأن السنة مضت بذلك في حال العذر حتى جاز أن يصلي الظهر والعصر ما بين الزوال إلى غروب الشمس، ويصلي المغرب والعشاء ما بين الغروب إلى طلوع الفجر، وهو الجمع بين الصلاتين" (شرح العمدة ص 230-231).

• لا تشترط نية الجمع عند أداء الصلاة الأولى؛ لعدم الدليل على ذلك.

• الأوقات في حق المسافر ثلاثة: من زوال الشمس إلى غروبها وقت الظهر والعصر، ومن غروب الشمس إلى طلوع الفجر وقت للمغرب والعشاء، ومن طلوع الفجر إلى الإشراق وقت للفجر.

هل يشترط للجمع الجدّ في السير (أن يكون المسافر سائرًا في الوقتين المشتركين)؟

• اتفق القائلون بالجمع في السفر بأن الجمع جائز في حال انتقال المسافر وقطعه للطريق في وقت الصلاة.

• واختلفوا في حكم جمع الصلاة للمقيم في بلد إقامة يقصر فيها الصلاة على قولين:

1-      فذهب الإمام مالك والقاضي من الحنابلة وابن القيم -وظاهر كلام ابن تيمية-: إلى أن الجمع لا يجوز إلا لمن جد به السير (المدونة 1/205,المبدع 2/125, الوابل الصيب ص 14, مجموع الفتاوى 20/360, 22/290) لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين المغرب والعشاء إذا جد به السير" (البخاري 1055, مسلم 703).

2-   وذهب الشافعية والحنابلة -وهو إحدى الروايات عن الإمام مالك- إلى أنه يباح الجمع في كل سفر يقصر فيه، سواء كان جاداً في سفره أم نازلاً بحيث لا تنقطع عنه أحكام السفر. (مغني المحتاج 1/529, كشاف القناع 2/5, البيان والتحصيل 18/110).

قال ابن قدامة: "وإن أحب أن يجمع بين الصلاتين في وقت الأولى منهما، جاز، نازلاً كان، أو سائرًا، أو مقيمًا في بلد إقامةً لا تمنع القصر. وهذا قول عطاء، وجمهور علماء المدينة، والشافعي، وإسحاق، وابن المنذر" (المغني 2/201).

وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم ويدل عليه:

• حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك، فكان يجمع الصلاة، فصلى الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا، حتى إذا كان يومًا أخّر الصلاة، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل، ثم خرج بعد ذلك، فصلى المغرب والعشاء جميعًا" (مسلم 706).

قال ابن قدامة: "في هذا الحديث أوضح الدلائل، وأقوى الحجج، في الرد على من قال: لا يجمع بين الصلاتين إلا إذا جدّ به السير؛ لأنه كان يجمع وهو نازل غير سائر، ماكث في خبائه، يخرج فيصلي الصلاتين جميعًا، ثم ينصرف إلى خبائه.... والأخذ بهذا الحديث متعين؛ لثبوته وكونه صريحًا في الحكم، ولا معارض له، ولأن الجمع رخصة من رخص السفر، فلم يختص بحالة السير، كالقصر والمسح، ولكن الأفضل التأخير، لأنه أخذ بالاحتياط، وخروج من خلاف القائلين بالجمع، وعمل بالأحاديث كلها" (المغني 2/202).

ومع ذلك فينبغي أن لا يكون الجمع عادة المسافر النازل ببلد، بل يفعله إذا احتاج إليه وشق عليه أداء الصلاة في وقتها.

تذكر

1. الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء رخصة للمسافر وتخفيف ورحمة من الله عز وجل.

2. الجمع رخصة يفعله المسافر إذا احتاج إليه وليس سنة يحافظ عليها.

3. لا تشترط نية الجمع عند أداء الصلاة الأولى على الراجح من أقوال أهل العلم.

4. الأوقات بالنسبة للمسافر ثلاثة لاخمسة.