هل يصح إطلاق عبارة إخواننا النصارى

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

نسمع من كثير من الدعاة والعلماء الذين يستضيفهم المركز الإسلامي كلمة إخواننا النصارى أو إخواننا من غير المسلمين فهل يصح ذلك والله تعالى يقول (إنما المؤمنون إخوة) ؟ سمير – هاليفاكس كندا

 

أصل البراءة من الكافرين:

تقرر بالكتاب والسنة في نصوص كثيرة أصل من أصول الإيمان العظيمة وهو الولاء للمسلمين والبراءة من الكافرين.

فكل مؤمن موحد ملتزم بالأوامر والنواهي الشرعية، تجب محبته وموالاته ونصرته . وكل من خالف ذلك وجب التقرب إلى الله تعالى ببغضه ومعاداته بقدر مخالفته للدين ولو كان أقرب الناس نسبًا كما قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

الأخوة الحقيقية:
وقد بين لنا كتاب ربنا أن الأخوة الحقيقية التي تقتضي الولاء والنصرة والمحبة هي أخوة الدين فقال تبارك وتعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} وإنما أداة حصر فلا تثبت حقوق أخوة الدين إلا للمؤمنين كما قال صلى الله عليه وسلم المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة (البخاري 2310) وقال حق المسلم على المسلم ست الحديث (مسلم 2162)

وهي أخوة تثبت للمسلم من دخوله في دين الله أيًا كان لونه وبلده وجنسه كما قال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتَوْا الزَّكَاة فَإِخْوَانكُمْ فِي الدِّين}.

أخوة النسب والقبيلة:

ومع هذا فقد أثبت القرآن علاقات النسب بين المسلمين وغيرهم من الكفار ولم يلغها ولو كانوا ممن حاد الله ورسوله ولكنه نهى عن مودتهم {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ..} فسماهم إخوانا وآباء وأبناء.

وجاء في قصة إبراهيم عليه السلام نداؤه لأبيه بلفظ: (يا أبت) وأبوه على الكفر {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا}.

وأما قول الله تبارك وتعالى لنوح: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح}ٍ:

فمعناه كما قرر المفسرون أن نوحًا عليه السلام قال استعلامًا : يا رب قد وعدتني أن ينجو أهلي من الغرق وها هو ابني يغرق ! فبين له الله تبارك وتعالى أنه ليس من أهله الموعود بنجاتهم ، بل الوعد بنجاة من آمن من أهلك وليس هو منهم بل هو ممن سبق عليه القول بالكفر والغرق.

كما أطلق القرآن لفظ الأخوة على القرابة في النسب ولو من بعيد كما في قصص الأنبياء وبعثتهم إلى أقوامهم فأطلق لفظ الأخوة بينهم وبين أقوامهم الكافرة فقال: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا}. وقال: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ}، وقال:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا}.

بل جاء إطلاق لفظ الأخوة بين لوط عليه السلام وقومه وهو ليس منهم أو من قبيلتهم وإنما هو ابن أخي إبراهيم الخليل عليهما السلام، وكان قد آمن مع إبراهيم عليه السلام وهاجر معه إلى أرض الشام كما قال تعالى {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فبعثه الله إلى أهل سدوم وما حولها من القرى، يدعوهم إلى الله عز وجل ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش.. ومع هذا قال تعالى {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ}.

0cوالأخوة هنا محمولة على معنى المصاحبة والملازمة أو الأخوة البشرية والإنسانية العامة.

ملحوظة مهمة:

ويلاحظ أن إطلاق لفظ الأخوة بين الأنبياء وأقوامهم جاء في سياق أن الأنبياء كانوا من أقوامهم وإخوة لهم بشرًا يعرفونهم ويعلمون صدقهم فكان حريًا بتلك الأقوام والحالة تلك أن تؤمن وتستجيب كما قال تعالى {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.

وأنه حينما كــان إطــلاق لفظ الأخــوة موهمًا بمشاركتهم في باطلهم لم يُذكر، كما في قصة شعيب فقد سماه الله أخًا لمدين كما في سورة الأعراف {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا}، فلما نسبهم في سورة الشعراء إلى الأيكة وهي الشجرة التي عبدوها لم يذكر لفظ الأخوة حتى لا يتوهم مشاركة نبي الله لهم في باطلهم فقال تعالى:{كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ}.

قال ابن كثير رحمه الله: هؤلاء -أعني أصحاب الأيكة- هم أهل مدين على الصحيح. وكان نبي الله شعيب من أنفسهم، وإنما لم يقل هنا أخوهم شعيب؛ لأنهم نسبوا إلى عبادة الأيكة، وهي شجرة. وقيل: شجر ملتف كالغَيضة، كانوا يعبدونها؛ فلهذا لما قال: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ}، لم يقل: (إذ قال لهم أخوهم شعيب)، وإنما قال: {إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ} ، فقطع نسبة الأخوة بينهم؛ للمعنى الذي نسبوا إليه، وإن كان أخاهم نسبًا. ومن الناس مَنْ لم يتفطن لهذه النكتة.
فلا بأس على الراجح من أقوال أهل العلم باستخدام لفظ الأخوة مع غير المسلمين، إن كان ذلك في سياق الدعوة والتوجيه وتأليف القلوب للدخول في دين الله ، مع التأكيد على أصل الولاء والبراء.. ولا يتوهم منها مشاركتهم في باطلهم، لاسيما وقد ثبتت اللفظة في القرآن بين المسلمين وغيرهم.

ويمنع من إطلاقها إذا كان ذلك في سياق إذابة الفوارق بين المسلمين وغيرهم، والتساهل في أوثق عرى الإيمان وهو الحب في الله والبغض في الله كما يسمع اليوم كثيرًا في منابر مختلفة، ويمكن الاستعاضة عن لفظ الأخوة بألفاظ أخرى لها دلالات محددة لا تشكل على الناس.

 

الخلاصة:
.     الأخوة الحقيقية هي أخوة الدين والإيمان، وهي التي يثبت لها حق الولاء والنصرة والمودة وغير ذلك من الحقوق.

   أطلق الشارع لفظ الأخوة على أخوة النسب مع اختلاف الدين ، لكنه أكد علينا أصل الولاء والبراء.

    جاء في القرآن إطلاق لفظ الأخوة بين المسلم والكافر الذي  له به صلة قريبة أو بعيدة في سياق امتنانه على الأقوام ببعث الرسول أخاً لهم يعرفون صدقه وخلقه فحري بهم الإيمان به واتباعه.

    يجوز على الراجح إطلاق لفظ الأخوة على الكفار إذا كان ذلك في سياق دعوتهم وتأليف قلوبهم مع صيانة جذوة الولاء والبراء في قلوب المؤمنين .

..     يمنع من استخدام لفظ الأخوة مع الكفار في سياق إذابة الفروق والتساهل في أوثق عرى الإيمان وهو الحب في الله والبغض في الله.

.لا    لا يجوز إطلاق لفظ الأخوة في سياق يتوهم منه مشاركة المسلم للكفار في باطلهم واعتقاداتهم .

 

تم التدقيق على المقال: 
نعم