الزواج من غير المسلمة

شرع الله للمسلمين الزواج وندبهم للظفر بذات الدين لأنها ستكون أماً لأولادك ورفيقاً لحياتك فأكد على العناية باختيار ذات الدين والتقوى والخلق.

ومع ذلك فقد أباح الله لنا الزواج بغير ذات الدين إذا وجدت مصلحة ولا مفسدة بشروط وضوابط وحدود ومن ذلك.

تحريم الزواج بالمشركة:

يحرم على المسلم الزواج  مِنَ الْكُافرة غير اليهودية والنصرانية  إجماعاً لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ }، وقوله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}. 

قال ابن قدامة: لا خلاف بين أهل العلم في تحريم نسائهم وذبائحهم. (المغني 6/592)

وهذا الحكم يشمل جميع الكافرات غير اليهودية والنصرانية كالبوذية والهندوسية والملحدة والبهائية وغير ذلك.

الزواج من الكتابية:

الأصل جواز نكاح المسلم للكتابية وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى فيجوز الزواج منها بالشروط المعتبرة شرعاً. 

قال الله تبارك وتعالى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} أي وأحل لكم نكاحهم كما أحل لكم طعامهم وذبائحهم.

وقد ثبت عن حذيفة بن اليمان وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما الزواج من الكتابيات, والعام في النهي عن نكاح المشركات في قوله: {وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} مخصوص بحل الزواج من الكتابيات في قوله تعالى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ}.

 وما يروى عن ابن عمر رضي الله عنه في النهي عن ذلك هو اجتهاد لم يوافقه عليه أحد أو هو من باب تنفير الناس من هذا النكاح لما فيه من المفاسد.

شروط الزواج من الكتابية:

  1. التأكد من أنها كتابية يهودية أو نصرانية تؤمن بدينها في العموم على أي فرقة منها كاثولويكية أو بروتستنتينية أو أرثودوكسية وليست ملحدة أو مرتدة أو لا دينية.

    ومن المعلوم في الغرب الآن أنه ليست كل فتاة تولد من أبوين نصرانيين مثلاً نصرانية. ولا كل من نشأت في بيئة نصرانية تكون كذلك بالضرورة . فقد تكون ملحدة مادية، وقد تكون على نحلة مرفوضة في الإسلام من مذاهب الشرق أو الغرب.

    أحكام فقهية للدليل الفقهي

     

  2. أن تكون عفيفة محصنة فإن الله لم يبح كل كتابية، بل قيد في آياته الإباحة نفسها بالإحصان، حيث قال: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} قال ابن كثير: والظاهر أن المراد بالمحصنات العفيفات عن الزنى، كما في الآية الأخرى:  {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}. وقال:  وهو الأشبه، لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية، وهي مع ذلك غير عفيفة، فيفسد حالها بالكلية، ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل: حشفًا وسوء كيله ! .  (3/42)

    فلا يجوز للمسلم بحال أن يتزوج من فتاة تسلم زمامها لأي رجل، بل يجب أن تكون مستقيمة نظيفة بعيدة عن الشبهات. 

    ولا ريب أن هذا النوع  من النساء في المجتمعات الغربية شيء نادر بل شاذ ، كما تدل عليه كتابات الغربيين وتقاريرهم وإحصاءاتهم أنفسهم، وما نسميه نحن البكارة والعفة والإحصان والشرف ونحو ذلك، ليس له أية قيمة اجتماعية عندهم، والفتاة التي لا صديق لها تُعيَّر من أترابها، بل من أهلها وأقرب الناس إليها وحكم الشارع معلق بالإحصان فلا يحل له الزواج حتى يستيقن من ذلك.

    عن شقيق بن سلمة قال: تزوج حذيفة يهودية فكتب إليه عمر: خلِّ سبيلها. فكتب إليه: أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها ؟ فقال: لا أزعم أنها حرام ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن. (رواه ابن جرير في تفسيره 4223 وعبدالرزاق 3/296 وقال عنه ابن كثير في تفسيره إسناده صحيح 1/583)

  3. نص بعض أهل العلم على اشتراط أن لا تكون حربية معادية للإسلام محاربة له وقد يدخل في ذلك من تتبنى في آراءها حرب الإسلام أو معادة بلد من المسلمين.

    وقد جاء هذا عن ابن عباس فقال رضي الله عنه : من نساء أهل الكتاب من يحل لنا، ومنهم من لا يحل لنا . ثم قرأ: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ..} فمن أعطى الجزية حل لنا نساؤه، ومن لم يعط الجزية لم يحل لنا نساؤه. 

    وقد ذُكر هذا القول لإبراهيم النخعي - أحد فقهاء الكوفة وأئمتها - فأعجبه. (تفسير الطبري، 9/588) ورجحه من المعاصرين الشيخ القرضاوي حفظه الله.

  4. ألا يكون في ذلك فتنة ولا ضرر محقق أو مرجح، فإن استعمال المباحات كلها مقيد بعدم الضرر، وكلما عظم الضرر تأكد المنع والتحريم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. 

بين عصرين

إن هناك فروقاً جوهرية بين عصرنا من جهة وبين عصر الحضارة الإسلامية من جهة أخرى، فواقع الزوجة الكتابية إذا عاشت في ظل زوج مسلم ملتزم بالإسلام، وتحت سلطان مجتمع مسلم مستمسك بشرائع الإسلام -كما كان في عهد حضارة الإسلام - تصبح الزوجة في دور المتأثر لا المؤثر فالمتوقع منها أن تدخل في الإسلام اعتقادًا وعملاً . فإذا لم تدخل فيه- وهذا حقها إذ لا إكراه في الدين - اعتقادًا وعملاً . فإنها تدخل في الإسلام من حيث هو تقاليد وآداب اجتماعية . ومعنى هذا أنها تذوب داخل المجتمع الإسلامي سلوكيًا، إن لم تذب فيه عقائديًا. 

وبهذا لا يخشى منها أن تؤثر على الزوج أو على الأولاد، لأن سلطان المجتمع الإسلامي من حولها أقوى وأعظم من أي محاولة منها لو حدثت. 

كما أن قوة الزوج عادة في ذلك الزمان ، وغيرته على دينه، وحرصه على حسن تنشئة أولاده، وسلامة عقيدتهم، وولايته الكاملة على عائلته يفقد الزوجة القدرة على أن تؤثر في الأولاد تأثيرًا يتنافى مع خط الإسلام.  أما الآن فهو إن تزوجها في بلادها كان محكوماً بقوانينهم الجائرة ولا يعترفون بولاية المسلم على زوجته وأولاده وكان للمرأة الحق في أخذ أولادها بقوة القانون.

وإن تزوجها في بلاد المسلمين لم يسلم من ضغط سفارة بلدها ولا يخفى ضعف الأمة وتشتتها وتخلفها مقابل قوة الغرب واجتماعه واستماتته في الدفاع عن حقوق رعاياه .

وليس كل ما كان سائغاً في وقت يكون سائغاً في وقت آخر. 

مزيد فائدة: انظر فتوى الزواج من الكتابيات حقائق وضوابط للشيخ بيوسف القرضاوي.

من أضرار الزواج بالكتابية:

  1. أن ينتشر الزواج من الكتابيات بحيث تكثر العنوسة في بنات المسلمين لا سيما من اضطر من العائلات المسلمة للسكن في تلك البلاد فإن فرص الزواج لهن  مقصورة في الغالب على المسلمين هناك فإذا تزوجوا من الكتابيات حصلت مفسدة عظيمة.

    وقد أمر عمر كلاً من طلحة وحذيفة رضي الله عنهما بطلاق الكتابية. (المصنف 3/296) 

    قال ابن جرير تعليقا على ذلك (4/366): وإنما كره عمر لطلحة وحذيفة رحمة الله عليهم - ورضي عنهم - نكاح اليهودية والنصرانية، حذارًا من أن يقتدي بهما الناس في ذلك ، فيزهدوا في المسلمات ، أو لغير ذلك من المعاني فأمرهما بتخليتهما.

  2. أن لا تكون الولاية للمسلم ، والحاصل في هذا الزمان أن من يتزوج من بلد كافر فإنه يتزوجهن وفق قوانين تلك البلاد، فيطبقون عليه نصوص قوانينهم وفيها من الظلم والجور الشيء الكثير، ولا يعترفون بولاية المسلم على زوجته وأولاده ، وإذا ما غضبت المرأة من زوجها هدمت بيته وأخذت أولادها بقوة قانون بلدها ، وبإعانة سفاراتها في كافة البلاد، مما قد يؤدي لضياع الأولاد لا سمح الله.

  3. أن يكون بموضع يخافُ المسلم  فيه على ولده أن بأن يُجْبر على الكفر أو يؤخذ منه عنوة ليسلم إلى أمه النصرانية أو اليهودية لتربيه كما أرادت كما حصل لكثير من أولاد المسلمين عياذاً بالله .

    ذكر ابن جرير الطبري من الشروط: أن تكون بموضع لا يخاف الناكح فيه على ولده أن يُجبر على الكفر.(تفسير الطبري 9/589)

    وعلى هذا فالأولى للمسلم والأحوط أن لا يتزوج من أهل الكتاب عموماً في هذه الأزمان لصعوبة تحقق الشروط وتحقق وقوع كثير من الأضرار .

    ورسول الله صلى الله عليه وسلم أكد الوصية ليس بالزواج من المسلمة فقط بل بذات الديانة والتقى والصلاح التي اشتهرت بذلك.

 

  1. يندب الشارع إلى الزواج بذات الدين والتقى والصلاح.

  2. يحرم الزواج من الكافرة من غير أهل الكتاب إجماعاً.

  3. الأصل إباحة الزواج من الكتابية بشروطه دل على ذلك الكتاب وعمل الصحابة.

  4. الكتابية هي اليهودية أو النصرانية التي آمنت بدينها فتؤمن بالله ودينه ورسالاته والدار الآخرة في العموم وليست ملحدة أو لا دينية.

  5. يشترط لها أن تكون عفيفة لا تسلم زمامها لأي رجل، بل تكون مستقيمة نظيفة بعيدة عن الشبهات.

  6. أن يأمن على ولده من أن ينزع من ولايته ويسلم لأمه اليهودية أو النصرانية لتربيته، فيهودانه أو ينصرانه.

  7. الأسلم والأحوط عدم الزواج من الكتابية اليوم لصعوبة تحقق الشروط وتحقق وقوع عدد من المفاسد.

الرسم التوضيحي: