أحوال الخلوة بالأجنبية وأحكامها

معنى الخلوة:

المراد بالخلوة انفراد الرجل بالمرأة الأجنبية عنه في مكان لا يراهم فيه أحد. 

وقد أجمع أهل العلم على أن خلوة الرجل بالأجنبية محرمة حتى مع مَنْ أمن الشهوة.

قال الإمام النووي رحمه لله: وأما اذا خلا الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما فهو حرام باتفاق العلماء، وكذا لو كان معهما من لا يستحى منه لصغره كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك فإن وجوده كالعدم. (المجموع 9/109)

والأجنبية سبق التنبيه إلى أنها من ليست زوجته ولا محرماً له على التأبيد بنسب أو رضاع أو مصاهرة.

أحوال الخلوة:

الأول: انفراد رجل واحد بامرأة واحدة أجنبية عنه في مكان يأمنان أن لا يطلع عليهما أحد وهذا هو موضع الإجماع والنص الصريح من النبي صلى الله عليه وسلم في عدد من الأحاديث الصحيحة ومنها:

1. ما ورد عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس لها محرم فإن ثالثهما الشيطان. (رواه أحمد 14651) 

2. وعن جابر رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا لا يبيتن رجل عند امرأة ثيب إلا أن يكون ناكحاً أو ذا محرم. (مسلم 2171) 

3. عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو، قال الحمو الموت. (البخاري 4934) والدخول يعني الخلوة.

الثاني: الخلوة بالأجنبية مع وجود غيرهما معهما.

اختلف أهل العلم في حكم خلوة الرجل بالأجنبية مع وجود أكثر من واحدة ، وكذا خلوة عدد من الرجال بامرأة على أقوال:

 

1. ذهب المالكية والحنابلة ووجه عند الشافعية إلى أن هذا داخل في الخلوة المحرمة.

2. ذهب الحنفية وبعض محققي الشافعية إلى أنه ليس من الخلوة المحرمة شرعاً قال النووي: والمشهور جواز خلوة رجل بنسوة لا محرم له فيهن لعدم المفسدة غالباً؛ لأن النساء يستحين من بعضهن بعضاً في ذلك .  (المجموع 7/87)

وهذا هو الراجح لأمور:

1. أن الخلوة معناها لغة: الانفراد، وفي حالة التعدد لم ينفرد الرجل بالمرأة، ولم تنفرد به. 

2. أن نص الحديث يقول:لا يخلون رجل بامرأة،ما خلا رجل بامرأة ولم يقل الحديث ما خلا رجل بنساءولاما خلا رجال بامرأة فهذه الصورة التي وقع فيها التعدد لا تدخل في نص الحديث. 

3. ما رواه مسلم عن عبدالله بن عمر مرفوعاً: لا يدخلن رجل على مغيبة، إلا ومعه رجل أو اثنان.  (مسلم 2173)

4. أن منع الخلوة إنما كان لأنها مظنة الفتنة، وطريق إلى الإغراء بالمعصية، ومع وجود التعدد تصبح المظنة بعيدة، كما جرت بذلك العادة. 

وعلى هذا لا تتحقّق الخلوة في الشوارع والمحال التجاريّة والمواصلات التي تغصُّ بالرّجال والنِّساء، وإنّما المطلوب هو الحشمة في الملابس والأدب في الكلام، وعدم الاحتكاك بين الطرفين، وبخاصّة في الزّحام.

ملحوظة مهمة: 

يستثنى من ذلك أهل الريبة، فإن وجود عدد من الرجال الذين لا ثقة بدينهم وأخلاقهم، لا يمنع الخلوة، وكذلك وجود عدد من النسوة سيئات السلوك، لا يمنع الخلوة، بل ربما ساعد العدد هؤلاء وهؤلاء على الفساد.

بماذا تنتفي الخلوة؟

1. تنتفي الخلوة بوجود امرأة أخرى أو رجل آخر وليسوا من أهل الريبة.

2. بكون المكان مفتوحاً ويكثر الداخل  والخارج كالمكاتب المفتوحة مع كثرة المراجعين والمحلات المزدحمة.

3. لا تنتفي الخلوة بوجود الصبي الصغير غير المميز.

الخلوة في المصعد الكهربائي:

المصعد مكان ضيق لا يرى من بداخله غالباً، ويمثل مكانًا  تتحقق فيه شروط الخلوة، وقصر زمن الانتقال في المصعد لا يلغي كونها مظنة فتنة يحضر الشيطان فيها، ثم إن الفتنة المخوفة ليست هي الفاحشة فقط بل حتى ما يقع في القلب من الوساوس التي لها ما بعدها، فوجود رجل وامرأة فقط في داخله ولا يراهما أحد أمر يدخل كلا الراكبين في الشبهات، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.

 فإذا كان رجل وامرأة ينتظران ليصعدا في المصعد ولا أحد معهما ، فالأحوط أن ينتظر الرجل حتى تصعد المرأة ويعود إليه المصعد، فإن لم يفعل فلتمتنع المرأة حتى يصعد الرجل ويعود إليها المصعد. 

الخلوة في السيارة:

هل يحكم بالخلوة في السيارات الخاصة وسيارات الأجرة؟

إذا أُمنت الفتنة والريبة في السيارة الصغيرة  وكان يرى من بداخلها وتسير في وسط المدينة  في الطرق المليئة بالسيارت والمارة فالأقرب أن هذا ليس من الخلوة. على أن تحرص على الجلوس بعيداً عن الرجل قدر المستطاع. وإن كان الأولى البعد عن مواطن الشبهات،واستخدام وسائل النقل العام كالباصات والقطارات والمترو وغير ذلك.

هل تحصل الخلوة في الأماكن العامة:

 الأصل أن الطرقات مما لا يقع فيها خلوة، قال ابن مفلح في كتابه الفروع: الخلوة هي التي تكون في البيوت أما الخلوة في الطرقات فلا تعد من ذلك . (5/153)

هذا في حال امتلأت بالذاهب والرائح إلا أنه يمكن أن تحصل الخلوة في الأماكن المفتوحة إذا قل الناس وخلت الطرقات والزوايا وقل من فيها.

قال القاضي في الأحكام السلطانية فيما يتعلق بالمحتسب: وإذا رأى وقوف رجل مع امرأة في طريق سالك لم تظهر منهما أمارات الريب لم يتعرض عليهما بزجر ولا إنكار، وإن كان الوقوف في طريق خال فخلو المكان ريبة فينكرها، ولا يعجل في التأديب عليهما حذرا من أن تكون ذات محرم، وليقل: إن كانت ذات محرم فصنها عن مواقف الريب وإن كانت أجنبية فاحذر من خلوة تؤديك إلى معصية الله عز وجل. (انظرالآداب الشرعية 1/302)

 

  1. خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية محرم بالإجماع مع وجود الشهوة وبدونها.

  2. ضابط الخلوة أن يكونا لوحدهما في مكان لا يراهم فيه أحد.

  3. ليس من الخلوة المحرمة وجود الرجل مع الأجنبية ومعهما غيرهما رجلاً أو امرأة إذا لم يكونوا من أهل الريبة.

  4. تقع الخلوة في المصعد كما تقع في الأماكن المفتوحة إذا قل الناس أو ابتعدوا.

  5. ليس من الخلوة الركوب مع السائق في السيارة إذا كان يرى ما بداخلها وتسير في وسط المدينة، والأولى استخدام النقل العام.

  6.  ينبغي للإنسان أن لا يأمن على نفسه فالحي لا تؤمن عليه الفتنة.

  7. ينبغي البعد عن مخالطة الرجال للنساء بدون حاجة عموماً.

  8. ليس من مسوغات الخلوة التعليم حتى ولو كان لتعليم القرآن أو للدعوة إلى الله.

 

 

الرسم التوضيحي: