سفر المرأة بدون محرم

 معنى المحرم:

سبق وأن مر أن المَحرَم هو الزوج و كل من يحرم عليها على التأبيد بنسب أو رضاع أو مصاهرة.

ويشترط فيه أن يكون كبيراً بالغاً احتياطاً قال عبد الرحمن ابن قدامة: ويشترط في المحرم أن يكون بالغا عاقلا قيل لأحمد فيكون الصبي محرما؟ قال لا حتى يحتلم لأنه لا يقوم بنفسه فكيف تخرج معه امرأة وذلك لأن المقصود بالمحرم حفظ المرأة ولا يحصل ذلك من غير البالغ لأنه يحتاج إلى حفظ فلا يقدر على حفظ غيره. (الشرح الكبير 3 /194)

فالمقصود هو رعاية شئون المرأة والعناية بها في السفر وهذا لا يتأتى من الطفل الصغير، وفي المميز الذي يكفي المرأة حاجاتها ويقوم بشئونها خلاف  ليس هذا محله .

والتأكيد في مسألة السفر على كونه كبيراً أعظم منه في الخلوة التي لا يلزم فيها إلا كونه مميزاً يستحيى من مثله على الصحيح كما سبق.

 حكم سفر المرأة بلا محرم:

 الأصل أن لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم لتوافر الأدلة من السنة على ذلك ومنها:

قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم, ولا يدخل عليها رجل إِلا ومعها محرم، فقال رجل: يا رسول الله إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج. فقال: اخرج معها. ( البخاري  1763)

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم. (البخاري 1038 ، مسلم 1339)

وقد رويت أحاديث كثيرة في النهي عن سفر المرأة بلا محرم وهي عامة في جميع أنواع السفر. 

 

 تحرير محل النزاع:

  اتفق أهل العلم على جواز سفر المرأة بلا محرم للضرورة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام والانتقال من البلد المخوفة إلى حيث البلاد الآمنة.

  واختلفوا في سفرها لحج الفريضة على قولين مشهورين عند أهل العلم.

 ولكن هل يجوز سفر المرأة بدون محرم لغير ضرورة ولغير حج الفريضة والعمرة الواجبة كالسفر لتجارة أو زيارة أهل ونحو ذلك؟

 1. ذهب جماهير أهل العلم إلى تحريم سفر المرأة بدون محرم لغير ضرورة وحكى بعضهم الإجماع عليه (حكاه القاضي عياض والبغوي) ولا يصح حكاية الإجماع لثبوت الخلاف قبل ذلك .

 أدلة الجمهور: تواتر الأدلة العامة على تحريم سفر المرأة بلا محرم ولم تفرق بين أمن الطريق وغيره.

 2. وذهب آخرون إلى جواز السفر بدون محرم  بشروط يمكن منها أمن الفتنة كرفقة نساء وأمن الطريق وغير ذلك وهو مروي عن الحسن البصري ويروى عن الأوزاعي وداود الظاهري وقول عند الشافعية (المجموع 8/342) وهو قول عند الحنابلة اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ذكره عنه أعلم الناس باختياراته ابن مفلح وإن كان له قول آخر تجده في شرح العمدة (2/172-177) والفتاوى الكبرى (5/381) ويبدو أن قوله الآخر - الموافق للجمهور- في أول حياته لا سيما وأنه في شرح العمدة الذي ألفه في أول أمره مقرراً للمذهب.

 فقد ذكر ابن مفلح في (الفروع) عن شيخ الإسلام ابن تيمية: وعند شيخنا تحج كل امرأة آمنة مع عدم المحرم، وقال: إن هذا متوجه في كل سفر طاعة كذا قال ونقله الكرابيسي عن الشافعي في حجة التطوع. وقال بعض أصحابه فيه وفي كل سفر غير واجب كزيارة وتجارة .  (الفروع 3/177)

 و نقل النووي في المجموع (8/342): قال الماوردي : ومن أصحابنا من جوَّز خروجها مع نساء ثقات ، كسفرها للحج الواجب ، قال: وهذا خلاف نص الشافعي ، قال ابو حامد ومن اصحابنا من قال لها الخروج بغير محرم في أي سفر كان واجبا كان أو غيره وهكذا ذكر المسألة البندنيجي وآخرون.

 وقال: ولا يجوز في التطوع وسفر التجارة والزيارة ونحوهما إلا بمحرم . وقال بعض أصحابنا : يجوز بغير نساء ولا امرأة إذا كان الطريق آمنا . وبهذا قال الحسن البصري وداود ، وقال مالك : لا يجوز بامرأة ثقة : وإنما يجوز بمحرم أو نسوة ثقات.

 

السفر بالطائرة ووسائل المواصلات الحديثة:

لا شك أن الله أنعم علينا هذه الأيام بتقريب المسافات وذهاب كثير من الخوف والمهالك التي كانت تصيب الناس في سفرهم قديماً عبر تيسير وجود الطائرات والقطارات السريعة ونحو ذلك وما كان يقطع في أيام وأسابيع صار يقطع في ساعات معدودة.

 فهل تغير الأحول وسهولة السفر اليوم تغير في الحكم الشرعي في جواز سفر المرأة بلا محرم؟

  إن قلنا أن العلة من التحريم هي السفر -وإن كانت الحكمة المحافظة على المرأة - (فالشارع يعلق الأحكام بالوصف الظاهر المنضبط ولا يعلقها بالحكمة التي يصعب ضبطها) فإن الحكم لا يختلف فالحكم معلق بالسفر حتى ولو  كانت الحكمة منها المحافظة على المرأة فنقول برأي الجمهور.

  وإن قلنا إن العلة من التحريم صيانة المرأة والمحافظة عليها فمتى ما حصل المعنى فقد تحقق الحكم الشرعي وتحصل مقصود الشارع .

 ولا شك أن السفر بالطائرة اليوم بحيث يوصلها المحرم إلى المطار ويركبها الطائرة فتسافر في رفقة من الرجال والنساء وطاقم الطائرة ويأخذها المحرم الآخر أو الرفقة المأمونة من المطار الآخر فيه قدر كبير من الأمان والحفاظ على المرأة ربما أبلغ من سيرها في طرقات المدينة والأمور التي تحصل نادراً في المطارات والطائرات في حكم النادر والنادر لا حكم له.

 وقد أفتى بذلك الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله (انظر فتاوى ورسائل الشيخ عبد الرزاق 1/201) 

 قال الإمام الباجي في كلام نفيس بعد نقل أقوال الفقهاء في سفر المرأة للحج بدون محرم: ولعل هذا الذي ذكره بعض أصحابنا إنما هو في حال الانفراد والعدد اليسير ، فأما القوافل العظيمة والطرق المشتركة العامرة المأمونة فإنها عندي مثل البلاد التي يكون فيها الأسواق والتجار فإن الأمن يحصل لها دون محرم ولا امرأة وقد روي هذا عن الأوزاعي. المنتقى شرح الموطأ 3/17

 

ويتأكد هذا عند النظر إلى:

قاعدة ما حرم لذاته لا يباح إلا للضرورة، وما حرم لسد الذريعة فيباح للحاجة . كما قرر ذلك شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم رحمهما الله، ولا شك أن سفر المرأة بغير محرم مما حرم سدًا للذريعة.

  أن الأصل في العبادات بالنسبة إلى المكلَّف التعبد دون الالتفات إلى المعاني، وأصل العادات الالتفات إلى المعاني كما قرر ذلك الإمام الشاطبي رحمه الله وأطال الاستدلال له. (الموافقات 5/209)

  ما جاء في حديث عدي بن حاتم مرفوعاً: يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا جوار معها. (رواه البخاري 9/125) فهو وإن كان من باب الإخبار إلا أنه في سياق  مدح الزمان بانتشار الأمن ورفع منار الإسلام فيحمل على الجواز. (انظر عمدة القاري 16/148) 

 

فعلى هذا نقول :

 الأولى أن لا تسافر المرأة بدون محرم مطلقاً فهذا أكمل في الحفاظ عليها وصيانة كرامتها إلا أنه :

 يجوز للمرأة السفر بالطائرة مع رفقة مأمونة من النساء كعائلة مثلاً بالضوابط التي تحافظ على المرأة وتصونها ومن تلك الضوابط:

 1. إذا كانت هناك حاجة ملحة.

 2. استأذنت ولي أمرها.

 3. يصعب على المحرم مرافقتها أو امتنع من ذلك.

 4. لا يوجد توقف للطائرة أو ترانزيت ونزول في بلد وسيط.

 5. يوصلها محرمها للمطار ويأخذها من هناك محرم آخر أو رفقة أخرى.

 6. تحرص أن تكون ضمن رفقة نساء أو عائلة  لتضمن من يجلس بجوارها.

 7. ليس سفراً طويلاً أو يخاف فيه من الإجراءات المعقدة وربما الانتظار لساعات أثناء التفتيش والدخول والتأكد من الأوراق الرسمية.

 

حكم إقامة المرأة بلا محرم:

 الأصل أن اشتراط المحرم إنما هو في السفر والانتقال من بلد إلى بلد وأن بقاء المرأة في البلد بدون محرم لسفر المَحْرَم وانشغاله ليس منهياً عنه إلا عند خوف الفتنة والمفسدة والتي قد تكون في بعض الأحوال أعظم في حال الحَظَر منها في حال السفر حتى في بلاد المسلمين ..

 وقد أفتى الشيخ حسنين محمد مخلوف لما سئل عن ترك الأب لابنته في البيت أياماً لإكمال دراستها وسفره بسبب الوظيفة فقال: «إن ترك ابنة السائل البالغة وحدها بدون وجود أحد من محارمها معها أثناء سفره البعيد ذريعة قريبة إلى شر مستطير ومفسدة عظمى وخاصة فى هذا الزمن ومناف لما أوجبه الشارع من المحافظة على العرض بما يصونه من العبث والإغراء بالفتنة فيحرم شرعا تركها كذلك ،ومفسدته أعظم من مصلحة بقائها للدارسة وحدها هذه المدة» فتاوى الأزهر 1/186 .

فكيف إذا كانت الفتاة المسلمة تقيم في بلاد الكفار لوحدها ولو بحجة الدراسة وتعلم اللغة  فإن الأمر أخطر والمفسدة أشد والعبث بتركها هناك بدون محرم أو رفقة مأمونة جريمة في حقها حتى ولو طلبت ذلك وألحت عليه.

 

1. الأصل تحريم سفر المرأة بلا محرم مطلقاً.

2. يجوز سفر المرأة بلا محرم إذا وجدت  ضرورة .

3. سفر المرأة في وسائل المواصلات الحديثة الآمنة كالطائرة مختلف فيه بين أهل العلم وإذا وجدت حاجة ملحة ولا محرم قادر على السفر فالحاجة تقدر بقدرها وما حرم سداً للذريعة يباح للحاجة إليه.

4. سفر المرأة في رفقة نساء مأمونات أحفظ لها من سفرها لوحدها.

5. يحرم ترك المحرم للمرأة لوحدها في حال كان عليها خطر وفتنة ومفسدة ويتأكد ذلك إن كان في بلاد الكفر.

 

الرسم التوضيحي: